قبل سنوات قال “بشار الأسد” في إحدى خطاباته “اكذب، اكذب، حتى تصدق”، ومع مرور الأيام أصبح يطبق قاعدة جديدة مفادها “اقتل، اقتل، حتى يهابك العالم أجمع”، ويكمن خبث هذا النظام في دمجه بين هاتين القاعدتين، كما يحدث في الغوطة الشرقية، ففي الوقت الذي ترتكب فيه أبشع المجازر بحق النساء والأطفال على مرأى العالم أجمع، ظهر بشار الأسد في إطلالته الأخيرة مكذباً ما يحدث ومدعياً أن كل هذا “أكاذيب وفبركات”.
عهر النظام قابله متناقضات دولية شجعته على المضي في جرائمه، فالسياسية الدولية وخصوصاً الغربية تقوم على مبدأ أن “الحرب في سوريا لا يمكن أن تحسم عسكرياً، والطريق الوحيد للحل هو السياسي”، بالرغم من حرب الإبادة الحقيقية التي يتعرض لها الشعب السوري من قبل الحلف (الروسي – الإيراني – السوري).
ففي الوقت الذي كانت فيه قوافل الأمم المتحدة بالغوطة الشرقية، كان “بشار الأسد” يحضر صواريخه المحملة بالغازات السامة ليقتل بها المدنيين، والذين يموتون أساساً بالبراميل والقنابل والحصار، مستغلاً في سبيل إرضاء حبه للقتل تجاهل العالم أجمع لما يحدث من عمليات قتل للأبرياء.
أكثر من 11 هجوماً بالسلاح الكيماوي شن النظام على الغوطة الشرقية، إلا أن ذلك لم يستدعِ ممن يسمون أنفسهم “أصدقاء الشعب السوري” أو أصحاب “الخطوط الحمراء” التحرك لإنقاذ الأبرياء، عدا عن إطلاق بعض التصريحات التحذيرية التي تتوعد بالرد في حال ثبوت استخدام هذا السلاح، وكشف الجهة التي استخدمته، متجاهلين الحقيقة الوحيدة التي تؤكد على أن نظام الأسد هو الوحيد من يستقوي على الشعب بالأسلحة المحرمة دولياً.
الأمين العام للأمم المتحدة وصف الغوطة بأنها “جحيم” على الأرض، وأيضاً قال عنها المفوض السامي لحقوق الإنسان “زيد بن رعد” في الشهر المقبل أو الذي يليه، سيواجه الناس في مكان آخر نهاية العالم، نهاية عالم متعمدة، مخططاً لها وينفذها أفراد يعملون لحساب الحكومة، بدعم مطلق على ما يبدو من بعض حلفائهم الأجانب، النزاع في الغوطة دخل مرحلة رعب جديدة”.
ما يجري في الغوطة من جرائم ضد الإنسانية، يوجب أن تتداعى الأمم لمحاسبة مرتكبيها بالسرعة القصوى، فمع تصاعد عمليات الإبادة الجماعية لم يعد من المعقول السكوت عن شخص يمطر شعبه بالبراميل المتفجرة ويفتح نيران مدفعيته لتبيدهم إرضاءً لجنون العظمة الذي أصيب به، فهو لم يعد قادراً على العيش دون رؤية مشاهد الموت أو التنفس بعيداً عن رائحة الدماء.
الصمت الدولي تجاه الجرائم بحق الإنسانية في سوريا، يمثل جرحاً غائراً في الضمير العالمي، ويجب أن يكون علاج ذلك بعيداً عن المسكنات التي يقدمها بين الحين والآخر طرف من الشرق وآخر من الغرب، فالجميع يعرف أن الحل الوحيد هو لجم الأسد وحلفائه عن قتل الأبرياء، ووضع حد لكل الانتهاكات المرتكبة بحق الإنسانية.
من المؤسف أن تصبح الهجمات على المنازل المكتظة بالأطفال والمستشفيات والمدارس والمساجد والأسواق العامة، شيئا عادياً وشائعاً لدرجة أنها لا تثير في هذا العالم أي ردود أفعال، فمنذ سبعة أعوام والمجتمع الدولي يتحدث عن إنهاء المذبحة، وعن أهمية العدالة والحاجة إلى المساءلة في سوريا، وحتى الآن لا يزال هذا العالم يشاهد ويمارس سياسة الصمت.
في الغوطة الشرقية، التي تشهد توحشاً بشرياً ضد الأطفال والمدنيين العزل، وتحدياً روسياً للعالم أجمع بهدف إيصال رسالة للجميع مفادها أنها عادت إلى مصافي القرار العالمي حتى لو كلفها ذلك الغوص في بحر الدماء السوري، وتدمير سوريا عن بكرة أبيها، ففي هذا العالم لا يوجد رقيب ولا عتيد يوجه لها حتى اللوم على ما اقترفته يداها، هذا فقط في الحالة السورية التي وجد لها ضوء أخضر للقتل، فالتدخل الروسي في أوكرانيا، كان مدعاة لعقوبات غربية قاسية أوهنت الاقتصاد الروسي، أما جرائم الحرب في سوريا لا توجب أكثر من جلسة في مجلس الأمن العاجز أساساً، واتخاذ قرار لا يساوي ثمن الورق الذي كتب عليه.