كتب الرئيس السابق لتحالف المنظمات الإغاثية السورية الأمريكية الدكتور “أحمد طرقجي” مقالاً نشره موقع “كلنا شركاء” تحدث فيه عن عجز الأمم المتحدة عن حماية الكوادر الطبية في سوريا رغم إنفاقها المليارات على القطاع الطبي.
وقال طرقجي في مقاله: “تزايدت وفيات الأطباء السوريين خلال الأسابيع الماضية نتيجة انتشار فيروس الكورونا، ورغم غياب الإحصائيات المنطقية عن وفيات الكورونا إلا أن كثافة النعوات في المدن تثير حفيظة المواطنين”.
وأضاف قائلاً: “ساعد على زيادة التوتر انتشار رسائل لشخصيات اعتبارية تنتقد عشوائية الاستجابة وتعلن أن قطاع الصحة لا يملك أي مقومات للاستجابة بسبب الحصار، ترسم تفاصيل الاستجابة للكورونا صورة واضحة لأسباب الأزمات المتكررة من هدر للموارد على قلتها وسوء للإدارة إضافةً للتعقيدات الدولية، وتثبت هذه الصورة القاتمة أن السوريين هم الوحيدون المتضررون من لعبة عض الأصابع الدولية على الساحة السورية”، على حد تعبيره.
وأكد قائلاً: “بلغ مجموع المعونات الإنسانية لسوريا عن طريق الأمم المتحدة أو بالتعاون معها حوالي 19مليار دولار خلال السنوات التسع الماضية، كانت حصة قطاع الصحة منها ما يقارب المليار ونصف المليار دولار كما هو معلن بالميزانية الأممية، أكثر من 70% من هذه المعونات الإنسانية وجهت لمناطق النظام كما تشير التقديرات”.
أما فيما يخص الشمال السوري، قال طرقجي: “في الشمال الغربي ،استُنزف قطاع الصحة نتيجة قصف المشافي المتكرر وحركات النزوح المتتالية”.
وأشار طرقجي قائلاً: “تمكن قطاع الصحة رغم ذلك من إدارة الموارد بطريقة أكثر كفاءة تجسدت بزيادة عدد المشافي، كما ازداد عدد أجهزة التنفس الاصطناعي في تلك المنطقة على سبيل المثال لتزيد عن ضعفي عدد الأجهزة الموجودة في مدينة كبرى مثل حلب”.
وعن الحرب التي يعيشها السوريون بسبب النظام السوري، قال طرقجي: “سبقت ظهور فيروس الكورونا أكبر حملة تهجير شهدتها سوريا، حيث فقد أكثر من مليون سوري منازلهم ومصادر طعامهم في إدلب و حماه واتجهوا للعيش في مخيمات قريبة من المناطق الحدودية”.
وفيما يخص الظروف التي يعشيها النازحون قال: “تضافر شح المياه وتزاحم الخيام و نقص الموارد الغذائية كعوامل خطر مهيئة لانتشار عنيف للفيروس في الشمال الغربي، بالمقابل طالب قطاع الصحة بتحديد الحركة عبر الحدود كأحد وسائل ضبط الفيروس، ورغم استمرار عمليات التهريب مع مناطق النظام ومناطق الشمال الشرقي، إلا أن ضبط حركة الحدود كان له الأثر الأكبر على حماية المدنيين”.
وشكلت منظمة الصحة العالمية فريق عمل للاستجابة لفيروس الكورونا. وعلى الرغم من بطئ الآليات والخلاف العلني مع المنظمة الدولية على أولويات توزيع الموارد إلا أن الكوادر الطبية تمكنت من رفع سوية البنية التحتية الطبية. فازداد عدد أجهزة التنفس ب حوالي 25% وتم إنشاء وحدات عزل إضافية بدون إيقاف العمل بالمشافي سيما أن هذه المشافي تعمل بطاقتها القصوى، وتبقى هذه التغييرات على أهميتها محدودة وغير قادرة على الصمود أمام أي انتشار واسع للفيروس في مخيمات المهجرين، يقول طرقجي.
وأشار الطبيب قائلاً: “تأخذ المأساة منحى مختلف في مناطق النظام. فعلى الرغم من أن المعونات الأممية قد أضافت سنوياً ما لا يقل عن 15% للميزانية الحكومية لقطاع الصحة إلا أن كفاءة القطاع استمرت بالتراجع”.
وأوضح قائلاً: “مع ازدياد خطر فيروس الكورونا على السوريين، قدمت جامعة لندن للاقتصاد دراسة تقريبية بناء على المعلومات المقدمة من الهيئات الطبية السورية للأمم المتحدة. تخلص الدراسة إلى أن النظام الصحي سيصبح عاجزًا تماماً مع وصول الحالات العرضية لما يقارب ١٠،٠٠٠ حاله. خلال الأشهر الماضية خصصت المنظمات الدولية حوالي مئة مليون دولار إضافية، زيادة على المخصصات السنوية، لافتتاح مراكز طبية جديدة في مناطق النظام كأحد ركائز الاستجابة للكورونا، لكن بدل التوسع، تم تحويل بعض المشافي القائمة لمراكز علاج ومراكز عزل مما زاد الضغط على قطاع الصحة وأضعف قدرته على الاستجابة للحاجات الطبية الأُخرى للمواطنين”.
وأضاف طرقجي: “حتى المشافي المدعومة من المنظمات الاغاثية الأممية والتي انتقلت لسيطرة النظام مع تغير سير المعارك في حلب الشرقية وغوطة دمشق ودرعا على سبيل المثال لم يتم الاستفادة منها. فالمشافي جرى إفراغها وهدمها وضاعت المواد الطبية التي تُركت فيها”.
أثارت تصريحات منظمة الصحة العالمية عن الاستجابة للكورونا في سوريا صدمه لخبراء الصحة العامة. ففي تصريح لمجله الفورين بوليسي منذ اسبوعين تذكر مديرة مكتب دمشق على سبيل المثال أن الهيئة الدولية قد زودت المخابر السورية بالقدرات لإجراء ألف فحص كورونا مجاني على الأقل يوميًا في سوريا، بحسب “طرقجي”.
وأكد قائلاً: “من المعروف أن مخابر الشمال الغربي قادرة على إجراء حوالي مئة تحليل يوميًا، أما الباقي فيفترض أنه يجرى يوميًا في مناطق النظام وهو ما يخالف رسائل القيادات الاجتماعية والأرقام الرسمية المعلنة، ويبقى التصريح الأخير للفريق الأممي عن إصابة أكثر من مئتي موظف أممي في مكتب دمشق، عدا المتعاقدين السوريين، هو الأكثر تناقضًا مع الأرقام الحكومية للإصابات”.
واختتم الدكتور أحمد طرقجي في مقاله: “للأسف فإن المواطن هو أكثر المتضررين من هذه الفوضى. وتسييس كل ما يحفظ كرامة المواطن وصحته وقوته هو الذي يقود لهذا الضياع. تكرر هذا الضياع في أزمات الوقود والقمح السابقة وغالباً ما سيتكرر في معظم الأزمات القادمة. و حتى تنتهي لعبة عض الأصابع الدولية على الساحة السورية فنحن بحاجة لاستذكار نصيحة شكري القوتلي عن التمسك بمبادئنا لحماية السوريين وصيانة كرامتهم” واقتبس: “إننا لا نستورد المبادئ ولا نستعير العقائد ولا نخضع لصانعي المذاهب…. يحاولون إغوائنا عن مبادئنا وعقائدنا”.