أصدرت “لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا” تقريرا يوثق الانتهاكات المرتكبة من قبل جميع أطراف النزاع على الأراضي السورية، مشيرة إلى أن النظام السوري ارتكب انتهاكات ترقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية.
وجاء في التقرير الذي اطلعت على نسخة منه منصة SY24، والصادر أمس الثلاثاء، أنه “لا يزال الاختفاء القسري والحرمان من الحرية يستخدمان كأدوات من قبل جميع الأطراف تقريبًا لبث الخوف وقمع المعارضة بين السكان المدنيين أو ببساطة كابتزاز لتحقيق مكاسب مالية”.
ووثق التقرير”عددًا من الانتهاكات المتعلقة بالاحتجاز من قبل القوات الحكومية والجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام وأطراف أخرى في النزاع”.
وخلص التقرير إلى أنه فيما يتعلق بقوات النظام السوري “فإن الحالات الأخيرة للاختفاء القسري والتعذيب والعنف الجنسي والوفيات خلال الاحتجاز ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية”.
وأضاف أن “استمرار استخدام هذه الممارسات قد تؤدي إلى تفاقم التوترات مع المجتمعات المحلية في المحافظات الجنوبية، مثل درعا والسويداء، وأدى كذلك إلى مزيد من الاشتباكات في الفترة المشمولة بالتقرير”.
ورجّح التقرير “احتمالية أن يكون الجيش الوطني السوري قد ارتكب جرائم حرب تتمثل في خطف الرهائن والمعاملة القاسية والتعذيب والاغتصاب”.
وجاء في التقرير أنه “في المنطقة ذاتها، قُتل وشُوِّه عشرات المدنيين بفعل الأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع، وخلال القصف والهجمات الصاروخية، إضافة الى تعرض الرجال والنساء والأطفال للموت أثناء تواجدهم في الأسواق المزدحمة، وتفشى النهب والاستيلاء على الأراضي ذات الملكية الخاصة من قبل الجيش الوطني السوري، لا سيما في المناطق الكردية”.
وتابع التقرير أنه “لم ينحصر الاعتداء على الافراد فقط، بل شمل المجتمعات والثقافات بأكملها. حيث ُتظهر صور الأقمار الصناعية (المرفقة) حجم الدمار والنهب للمواقع التراثية المصنفة من قبل اليونسكو والتي لا تقدر بثمن”.
وجاء في التقرير أن “جميع الأطراف في سوريا تحتجز المدنيين دون مثقال ذرة من دليل أو إتباع الإجراءات القانونية الواجبة. ويتوجب الإفراج عن جميع المحرومين تعسفيا من حريتهم، حيث أن المجتمع الدولي يمكنه ويتوجب عليه فعل المزيد، لا سيما فيما يتعلق بالمخيمات في الشمال الشرقي، حيث يمكن أن يكون لهذا التدخل تأثير فوري إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك”.
ولفت التقرير إلى أنه “وعلى الرغم من الانخفاض النسبي في الأعمال العدائية واسعة النطاق منذ إعلان وقف إطلاق النار في 5 آذار (بين تركيا وروسيا)، لا يزال السوريون يُقتّلون ويواجهون مستويات شديدة من المعاناة والألم ويتعرضون لانتهاكات جسيمة لحقوقهم، وفقًا لآخر نتائج لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا”.
وأكد التقرير على أن التوثيق الذي جاء في التقرير يشمل”الانتهاكات المستمرة من قبل جميع أطراف النزاع المسيطرة على الأراضي في سوريا، كما يسلط الضوء على الزيادة في أنماط الانتهاكات المستهدفة مثل الاغتيالات والعنف الجنسي ضد النساء والفتيات، ونهب الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها، مع وجود طابع طائفي. إن معاناة المدنيين تُعد سمة ثابتة وخاصة لهذه الأزمة”.
وتطرق التقرير إلى الواقع الاقتصادي في سوريا وجاء فيه أن “الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وآثار العقوبات ووباء كورونا تقلّص من فرص السوريين في تحقيق مستوى معيشي لائق، ولا تزال الظروف المعيشية في جميع أنحاء البلاد بائسة وتتدهور في بعض الحالات. وفي المناطق الخاضعة للحكومة، تنتشر العقبات حيث يُمنع المدنيون عمدا من العودة إلى منازلهم وممارسة حق الملكية وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
وحذر التقرير من زيادة انعدام الأمن الغذائي في سوريا وأشار إلى أن “الزيادة الملحوظة في أعداد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا في النصف الأول من عام 2020 مقلقة للغاية، يجب إزالة جميع العقبات التي تحول دون تقديم المساعدات الإنسانية”.
كما تطرق التقرير إلى عناصر تنظيم “داعش” المحتجزين في سجون “قوات سوريا الديمقراطية” وجاء فيه أنه “بخصوص الحبس طويل الأمد للأفراد المُدّعى أنهم مرتبطين بتنظيم (داعش) في الشمال الشرقي من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وجدت اللجنة أن هذا الحبس يرقى إلى مستوى الحرمان غير القانوني من الحرية في ظروف غير إنسانية، ومع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الهائلة للوضع، خلصت اللجنة إلى أنه لا يمكن أن يستمر حرمان المدنيين من الحرية إلى الأبد، وتدعو اللجنة الدول الأعضاء إلى استعادة مواطنيها من سوريا المُدّعى أنهم مرتبطين بـ (داعش)، ولا سيما الأطفال مع أمهاتهم”.
ودعت اللجنة في ختام تقريرها جميع الأطراف السعي إلى التوصل لوقف إطلاق نار طويل الأمد، والإفراج الفوري عن جميع السجناء، كما دعت النظام السوري إلى اتخاذ خطوات عاجلة للكشف عن مصير المحتجزين أو المختفين.
ومن المقرر أن تقدم اللجنة تقريرها إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 22 أيلول الجاري.
وقبيل صدور التقرير ذكر “فضل عبد الغني” رئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أن، “الشبكة كان لها شرف المساهمة في التقرير عبر مشاركة بيانات واسعة متعلقة بالانتهاكات الواقعة في تلك الفترة من مختلف الأطراف”، موجها الشكر لكل من تعاون وتجاوب مع الشبكة من الأهالي، الشهود، النشطاء المحليين، الكوادر الإعلامية، الطبية، والإغاثية”.
وفي 27 آب الماضي، ذكرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، أنها قدمت تقريرا موسعا للجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، حول الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري خلال السنوات الأربع الماضية.
وأشارت الشبكة الحقوقية في تقريرها، إلى أبرز الانتهاكات التي مارسها النظام السوري وهي القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال والاحتجاز غير المشروع والاختفاء القسري، وإصدار النظام لمراسيم عفو مخادعة وعديمة الفعالية بالنسبة للمعتقلين، وتسجيل المختفين قسريا على أنهم متوفون في دوائر السجل المدني، واختفاء المعتقلين الخاضعين للمحاكم من السجون المركزية، والتعذيب، والعنف الجنسي، والمحاكم غير القانونية، والقوانين التي تحمي مرتكبي عمليات التعذيب، وهيمنة النظام على الإعلام وحرية التعبير عن الرأي، والتشريد القسري للمدنيين ونهب ممتلكاتهم.