أثار قرار صادر عن رئاسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يدعو خلاله السوريين المناهضين للنظام السوري إلى “خوض غمار الاستحقاق الانتخابي في سوريا”، موجة غضب عارمة بين السوريين المعارضين لـ “الأسد” داخل سوريا وخارجها.
وذكر الائتلاف في القرار الموقع من رئيس الائتلاف “نصر الحريري” في 19 تشرين الثاني الجاري، أنه “تقرر إنشاء المفوضية العليا للانتخابات بهدف تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من خلال ممثلها الشرعي من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية رئاسية وبرلمانية ومحلية، وتهيئة الشارع السوري لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي”.
وأشار الائتلاف إلى أن من مهام هذه اللجنة، “وضع الخطط والاستراتيجيات وتنفيذها والتحضير للمشاركة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، بما في ذلك الاستفتاء على مشروع الدستور، ونشر الوعي بأهمية المشاركة في الاستحقاقات الوطنية، والتعاون والتنسيق مع القوى الاجتماعية والمدنية والسياسية في الداخل السوري بما فيها الموجودة في مناطق سيطرة النظام، وفي دول اللجوء والمهجر، عبر كل الطرق المتاحة، أو الوصول لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام”، إضافة إلى عدد من المهام وشرح تفصيلي عن آلية عمل هذه اللجنة.
وشكّل هذا القرار صدمة كبيرة بين كافة الفعاليات المدنية والثورية المعارضة للنظام السوري، وأثارت جدلا واسعا، معربين في ذات الوقت عن الأسباب التي دفعت برئيس الائتلاف لإصدار هذا القرار الذي وصفوه بأنه “بداية تطبيع مع النظام السوري”، ومؤكدين في ذات الوقت رفضهم له.
وفي هذا الصدد أصدر بعض “نشطاء الثورة السورية” بيانا عاجلا ردا على قرار رئيس الائتلاف الوطني السوري، جاء فيه أن “إجراء أية انتخابات قبل سقوط النظام وعلى رأسه بشار الأسد، هو إجهاض للثورة، وتنكر لدماء الشهداء، وتنازلا عن حق المعتقلين وهم الشهداء الأحياء، وتجاوز معاناة الشعب السوري، ومحاولة بائسة من الائتلاف لإعادة شرعنة النظام ومنحه صك البراءة على ما اقترف من جرائم بحق الشعب السوري”.
وأضاف البيان أنه “وبناء عليه فإن نشطاء الثورة يدعون القوى والأحزاب والتيارات والتجمعات والمستقلين، إلى اجتماع فوري لدراسة التداعيات الخطيرة لهذا القرار واتخاذ الإجراءات اللازمة”.
ووسط حالة السخط الشعبي من نشطاء الثورة ومن معارضين سياسيين ومن كافة شرائح المعارضة السورية، ووسط الدعوات إلى رفض كل ما يدعو إليه الائتلاف الوطني في بيانه، سارع الائتلاف الوطني إلى إصدار بيان توضيحي حول “المفوضية العليا للانتخابات”، أكد فيه أنه “لا بديل عن هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات، وأنه لا يمكن القبول أو المشاركة بأي انتخابات بوجود هذا النظام المجرم”.
وتابع في بيانه أنه “التزاماً من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بتنفيذ مسؤولياته تجاه قرار مجلس الأمن الدولي 2245 وبيان جنيف لعام 2012، ولكي تكون كوادر الثورة السورية وقواها مستعدة لكامل الاستحقاقات المتعلقة بتنفيذ الحل السياسي وتأسيس هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات دون الأسد، وفقاً لخطة السلال الأربعة؛ قرر الائتلاف إنشاء مفوضية وطنية للانتخابات استعداداً للمرحلة الانتقالية وما بعدها”.
وأكد أنه “رغم أهمية إنشاء هذه المفوضية كخطوة على طريق الحل السياسي، إلا أنها لن تكون كافية ما لم يتم اتخاذ موقف دولي جاد لإنهاء المشروع الإجرامي المستمر في سورية والبدء بتحرك يستند إلى قرارات مجلس الأمن ويضمن تحقيق انتقال سياسي إلى نظام حكم رشيد يضمن حرية وكرامة المواطنين ويعمل على محاسبة المجرمين من جهة وعلى رعاية وتضميد جراح المتضررين والضحايا من جهة أخرى”.
وتعالت الأصوات من معارضين سوريين مطالبة الائتلاف الوطني السوري بالتراجع فورا عن قراره، وقال رئيس هيئة القانونيين السوريين المستشار القانوني “خالد شهاب الدين” في بيان أنه “نطالب الائتلاف التراجع عن هذا القرار فورا فهو خدمة لانتخابات بشار وليس من صلاحيات الائتلاف تشكيل هيئة انتخابات، وهذا الأمر من صلاحيات هيئة الحكم الانتقالية بعد تشكيلها وفق بيان جنيف1 والقرار 2254، وقرار الائتلاف حاليا ما هو إلا تناغم وخدمة وخرق لبيان جنيف1”.
وفي هذا الصدد قال الحقوقي “عبد الناصر حوشان” وعضو هيئة القانونيين السوريين لمنصة SY24، إن “هذا القرار تطور خطير وتنازل جديد طالعنا به الائتلاف الذي من المفترض أنه يمثل ثورة شعب قدم مليون شهيد ومئات آلاف المعتقلين بقرار جديد يعلن من خلاله تشكيل ما يسمى المفوضية العليا للانتخابات، وذلك تزامناً مع ما يسمى استحقاق انتخابات الرئاسة في سورية”.
وأضاف “حوشان” أن “تراتبية الحل السياسي وفق بيان جنيف1 والقرار 2254 (هيئة الحكم، الدستور، والانتخابات)، وبدأ التنازل بتشكيل اللجنة الدستورية وتجاوز هيئة الحكم، والآن جاء التنازل الجديد ليؤكد التنازل عن هيئة الحكم الانتقالية وذلك بتشكيل مفوضية انتخابات تزامناً مع استحقاق انتخاب بشار الإرهابي مجدداً”.
وتابع أن “تشكيل مؤسسات المرحلة الانتقالية يبدأ عند توقيع الاتفاق السياسي للحل وبتشكيل هيئة الحكم الانتقالية، التي تبدأ مباشرة بتشكيل باقي مؤسسات المرحلة الانتقالية ومنها الهيئة العليا للانتخابات، وحينها تكون البيئة الآمنة المستقرة الهادئة قد تحققت فعلاً”.وأشار “حوشان” إلى أنه “ليس من صلاحيات الائتلاف ولا هيئة التفاوض تشكيل مؤسسات المرحلة الانتقالية في ظل استمرار نظام بشار الإرهابي في حكم سورية، لكن يقع على عاتقهما المطالبة بتطبيق بيان جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة، وعدم التنازل عنها وخرقها بحجة الواقعية السياسية أو الدولية والتماهي بذلك”.
وأجمع عدد كبير من المعارضين السياسيين أن قرار الائتلاف الأخير هو اعتراف مبكر بالانتخابات غير الشرعية للنظام السوري، وقال الباحث السياسي “باسل حفار” في منشور على حسابه في “فيسبوك”، إن القرار “قفز على الخطوات الأساسية التي من المفترض القيام بها قبل الانتقال للانتخابات وفي مقدمتها تشكيل هيئة حكم انتقالي وتشكيل البيئة الآمنة التي تسمح بعودة السوريين ومشاركتهم في المشهد السياسي وفق أسس متفق عليها، وأنه من الضروري أن يتم توضيح السياق والهدف من تشكيل هذه الهيئة وفي هذا التوقيت، إلى جانب التأكيد على موقف الائتلاف من النظام ورئيس النظام والعملية الانتخابية التي ينوي النظام إجراءها”.
يشار إلى أن قرار الائتلاف سبقه عقد النظام السوري ومن خلفه روسيا وإيران، ما يسمى “مؤتمر اللاجئين”، والذي يهدف لبحث عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة النظام وطلب الدعم بحجة إعادة الإعمار، في حين لاقى المؤتمر رفضا دوليا وغربيا وأمميا واسعا وحتى من الموالين أنفسهم.