دفعت ويلات الحرب الدائرة في سوريا، والظروف التي تمر بها محافظة درعا جنوبي سوريا من تردي الواقع الخدمي والمعيشي والاقتصادي، إضافة إلى الظروف الأمنية المتردية، بإحدى العائلات لإرسال طفلها البالغ من العمر 9 أعوام، إلى الشمال السوري ومنه إلى تركيا في رحلة محفوفة بالمخاطر بهدف الوصول إلى أوروبا و”لمّ شملهم” عن طريقه.
وفي التفاصيل، قال مراسلنا “عماد البصيري”، إن الطفل سلك طريقا محفوفا بالمخاطر، واجه خلاله خطر الاعتقال وحتى الموت في رحلته هو وخاله باتجاه تركيا للتوجه منها إلى أوروبا.
وأضاف مراسلنا أن الطفل الذي يدعى “محمد” خرج من مدينة عتمان في محافظة درعا مع خاله الذي يبلغ من العمر 27 عاما، ونقل مراسلنا وعلى لسان خال الطفل تفاصيل الرحلة الشاقة إلى حين وصولهم إلى أوروبا، قائلا: إن “ما جرى معنا كان كمن خرج من معركة مميتة، لقد خرجنا من درعا في الأول من آب/أغسطس الماضي، إلى مدينة حلب وحاولنا الدخول إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني، لكننا تعرضنا للاعتقال على يد (قوات سوريا الديمقراطية) وبقينا في السجن سبعة أيام وبعدها أطلقوا سراحنا، ومن ثم توجهنا بعدها صوب مدينة حلب وبقينا هناك لمدة خمسة عشر يوما”.
ولدى سؤال مراسلنا عن حال الطفل في تلك الفترة وكيف واجه الظروف الصعبة في عمره هذا، أجاب “كان يبكي طول الوقت ويطلب الذهاب إلى أمه وأبيه ويطلب مني أن أعيده إلى أصدقائه وإخوته ليلعب معهم، وفي كل مرة كنت أتصل بوالد الطفل عن طريق الإنترنت لأخبره بحال طفله، فكان رد والد الطفل دائما أنه دفعنا كل ما نملك من أجل تسفيره خارج درعا ومن أجل أن يكون وسيلة تساعدنا في لمّ شملنا ونرتاح من الظروف السيئة التي نعيشها في درعا، وكان يطلب مني أن أشتري له قطع البسكويت والحلوى من أجل أن يكفّ عن البكاء”.
وأضاف خال الطفل أنه “بعد عدة أيام تمكنا من العبور باتجاه المناطق المحررة بعد سير على الأقدام لمدة تصل إلى 12 ساعة متواصلة، تعرضنا خلالها إلى إطلاق النار من قبل قوات النظام قبل أن نصل وجهتنا، وكاد الطفل أن يفقد حياته لكن قدّر الله ولطف، ونجونا بأعجوبة”.
وذكر خال الطفل أنه “لدى وصولنا إلى الشمال السوري بالقرب من الحدود السورية التركية، حاولنا العبور إلى تركيا لكن المهرب طلب مبلغ مالي كبير منهم”، موضحا أن “رحلة التوجه من درعا إلى تركيا 5500 دولار”.
وأوضح مراسلنا أن “عائلة الطفل محمد تعاني من فقر شديد مما اضطر والد محمد لبيع أرض كان يمتلكها وإرسال ابنه إلى أوروبا، عسى أن يصل محمد إلى هولندا ويحصل على إقامة وبعدها يعمل على لمّ شمل أسرته المؤلفة من ستة أشخاص أكبرهم محمد”، مبينا أن “الطفل محمد يتواجد على الحدود التركية اليونانية محاولا الدخول إلى اليونان ليشق طريقه إلى أوروبا”.
ونقل مراسلنا واقع الحال في محافظة درعا، قائلا: إن “قوات النظام متمثلة بفروعها الأمنية، تعمل اليوم على إجبار العشرات بل المئات من الشباب السوري على الخروج من كافة المدن والمحافظات السورية وبالأخص محافظة درعا، التي كانت المحافظة الوحيدة التي لم تهجّر بأكملها بل بقي الآلاف فيها ومازالوا يدفعون الثمن إلى يومنا هذا عن طريق الاغتيال والاعتقال والإخفاء القسري، أو تسليم جثث عشرات المعتقلين لذويهم، أو السوق إلى الخدمة الإلزامية العسكرية، وأخيرا وليس آخرا الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي أصبحت الحياة شبه مستحيلة في ظلها”.
يذكّر أن المئات من أبناء محافظة درعا حاولوا خلال الأشهر الماضية بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية السيئة، الوصول إلى مناطق المعارضة شمالي سوريا، إلا أن بعضهم وقع في الأسر لدى قوات النظام وميليشيات إيران، أثناء محاولتهم دخول المنطقة بطريقة غير شرعية عن طريق معابر التهريب بين مدينة “نبل” ومدينة عفرين في ريف حلب.