تذكرون يوم خرج نابليون من مصر لتدخل إنجلترا؟، يومها كانت الدولة العثمانية تتهالك وتتحالف مضطرة مع الإنجليز والفرنسيين، لدرء خطر الإرهاب الروسي، يومها ليس من قِطْر عربي يحكمه عربي يومها أهل الشام فكروا في الهجرة الى أمريكا – الأرض الجديدة -، يومها بزغ شعر المهجر. الآن تتكرر الطرفة تلك، يا سادة من يومها ونحن بلا ولي أمر عربي إلى الآن، بلا ولي أمر يخاف الله، بلا شعب يعي أنه بشر له حقوق وعليه واجبات، هكذا نرحل آلاف الأميال لنتحسس بشريتنا عند الدواب!
جرحت مشاعرنا صورة الوفد المهينة والذليلة وهم يتسكعون على عتبات القاتل بحثاً عن لا شيء، لا مكاسب ولا امتيازات، لا أمان ولا حياة، لا الكف عن القتل ولا الاعتذار من الضحايا، القاتل والديكتاتور لا يعطيك الحرية، ولا يقبل أن تحاضر أمامه بالحرية، ففاقد الشيء لا يعطيه.
لا تصدق الديمقراطية الروسية المزعومة، (فلاديمير بوتين – ديمتري ميدفيديف) (ديمتري ميدفيديف – فلاديمير بوتين) كمعادلة (حافظ الأسد – بشار الأسد) (بشار الأسد – حافظ الأسد الابن) وهكذا حتى في البويضات القابعة في أحشاء نساء المستبدين، تتربى على شهوة السلطة، ولتذهب أنت والعالم إلى الجحيم، ما لم تخرج من غبائك ونومك الطويل.
لكن، مهما كانت صورة البؤس والعجز تأكل وجوهنا من مؤتمر محكوم عليه بالفشل، فلم تكن صورة “قطيع النظام” أكثر حضارة، فقد كانت تسرح كالأغنام في ساحات سوتشي، كانوا يأكلون بشراهة لملء بطونهم كي تقويهم على التمسح بثوب روسيا، اعلم جيداً أنك كلما أطعمت أغنامك، كلما أعطتك مزيداً من الربح، الراعي يخاف عليها حتى من حصى الفتية الذين يلعبون في الشارع، لكن ليس للأبد، مصيرها الذبح بالنهاية لينال الراعي حقه منها، فالراعي ليس جمعية خيرية كما جمعيات الرفق بالحيوان!
القاتل لا يمنحك الحياة بكرامة، يحدث أن ينقذك ليمنحك الوقت لتشكره على عدم قتلك، لكنه قاتلٌ سينقضّ عليك في الوقت المناسب، لأنه يعتاش على دمك، فلا تصدقه، فهو يراوغ.
قل لي عزيزي المفاوض في سوتشي، هل تطلب الحرية من مقصفٍ نجمته راقصة الحرس الجمهوري “غادة بشور” أو مغنيّ الراب، أو من ممثلين أنهكوا رؤوسنا بتمثيلياتهم الكاذبة، حقاً كان المشهد مكتملاً، لا ينقصه إلا “نجدت أنزور” لترتيب إخراجه؛ هم عبّاد للبوط العسكري، لا تعلم من أي خاصرة ولدوا، ليت تفاعلهم كان مع سوريا وشعبها في المؤتمر بربع ربع تفاعلهم مع العلف وحفلة العشاء في الهوب هوب، لكنّا بألف خير، هم حتى لقضيتهم ونظامهم غير فاعلين، لا يصلحون إلا للتصفيق. فلا يمكن للأغنام أن يكون لها قائدين، هو راعٍ واحد يقطف من ثمار أغنامه، ربما يضع قوّاداً وهو الحمار ليقود القطيع، وربما لا، لكن الحمار سيعود لزريبته. تماماً كما حال بشار الأسد وبوتين.
أيُّ منحدر سقطنا فيه، ما سبب تراكم كل الهزائم، شتّان بين سوريا القديمة بعد الاستقلال من المستعمر الفرنسي وقبل حكمها على يد هذه الطغمة اللاحمة، كان العرب يقصدونها من دبي لالتقاط صور فوتوغرافية لهم. وفي أوج نهضتها قبل أن ينقضّ حافظ الأسد على ظهرها، وقتها كانت أوروبا تتعافى من مشاجب الحرب العالمية الثانية.
شتّان بين السابق والحاضر، يحزّ في قلبي ما قرأت على المواقع الافتراضية، حيث كتب أحد الصحفيين معلقاً على مسرحية سوتشي: “وَفدُ ذهب إلى باريس وعاد باستقلال سوريا، وَفدٌ بعد وَفدٍ ذهبوا إلى جنيف وآستانا وسوتشي وعادوا بانتهاء سوريا وشعبها من الخارطة”.