“نصوم منذ أعوام، ورمضان بالنسبة لنا ليس شهراً، بل هو سنة بحالها”، بهذه الكلمات اختصر الرجل المسن “أبو إبراهيم” حال السكان في مدينة دير الزور الخاضعة لسيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية مع قدوم شهر رمضان.
حيث اختفت التجهيزات المعتادة خلال استقبال شهر رمضان في مدينة دير الزور التي تعيش اليوم أسوأ أيامها هذا العام، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام الخدمات الأساسية والرعاية الصحية في ظل تفشي جائحة كورونا.
وذكر مراسلنا في ديرالزور، أن “حركة الأسواق التجارية شبه معدومة في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية، وعدم قدرة غالبية أهالي المدينة على تأمين حاجياتهم الرئيسية”.
في حين مازالت الطوابير تنتشر أمام الأفران والمؤسسات الاستهلاكية في المدينة، حيث شهدت الأفران ازدحاماً كبيراً في اليوم الأول لرمضان، وذلك بسبب تخوف الأهالي من انقطاع مادة الخبز.
بينما شهدت محطات توزيع الوقود إقبالاً ضعيفاً، بسبب عدم توفر البنزين والمازوت، بالإضافة إلى قيام محافظ ديرالزور بإصدار قرار يقضي بتعبئة المحروقات عبر الرسائل النصية، مما أدى إلى انعدام المواصلات داخل المدينة وشلل شبه تام لحركة المواطنين.
ارتفاع الأسعار وغياب المحروقات والطوابير الطويلة التي تقف على الأفران، ليست المشاكل الوحيدة التي يعاني منها أهالي مدينة ديرالزور، بل تعدتها إلى غياب الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وصحة وخدمات أخرى.
حيث شهدت المدينة في الآونة الأخيرة تفشياً كبيراً لجائحة “كورونا” بين السكان، في ظل انعدام الرعاية الصحية وعدم قدرة المستشفيات العاملة في المدينة على تقديم المستلزمات الضرورية للمرضى، بالإضافة إلى امتناع المشافي التابعة للميليشيات الإيرانية عن استقبال المرضى من المدنيين، واقتصار عملها على استقبال المرضى من عناصر ميليشياتها وعائلاتهم.
وفي حديث خاص مع منصة SY24 أشار المواطن “أبو إبراهيم” إلى أن جائحة “كورونا” منتشرة في المدينة منذ أشهر، إلا أن “النظام امتنع عن إعطاء أي أرقام حقيقة لعدد الإصابات في دير الزور”.
وتابع قائلاً: “لدينا كل يوم عشرات الإصابات والوفيات بسبب كورونا ولا أحد قادر على فعل شيء، بسبب قيام النظام ببيع الأدوية الخاصة بالفيروس والمقدمة من المنظمات الدولية في السوق السوداء بأسعار خيالية”.
وأضاف أن “فيروس كورونا ليس المشكلة الصحية الوحيدة في المدينة، هناك أدوية الضغط والسكر والقلب التي تكاد تكون مفقودة، بالإضافة إلى الامتناع عن إعادة تأهيل المشافي وقيامهم بصرف ملايين الليرات من أجل إعادة تأهيل الحدائق”.
وفي السياق، تشهد مدينة دير الزور غياباً شبه تام للتيار الكهربائي مع انقطاع متكرر له يصل إلى أكثر من عشرين ساعة في يومياً، بالإضافة إلى انقطاع مياه الشرب التي تترافق مع انقطاع الكهرباء.
وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي، تعاني المدينة من ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة بشكل كبير وازدياد عمليات سرقة الكابلات الكهربائية والمنازل الخالية من سكانها في المناطق التي دخلتها قوات النظام بعد انسحاب تنظيم “داعش” منها، إضافة إلى تورط عناصر ميليشيا “الدفاع الوطني” في عدد كبير من جرائم القتل والاتجار بالمخدرات، من دون أن تتم محاسبتهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام في المدينة.
فيما تستمر الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بشن حملات اعتقال واسعة في المدينة، مستهدفة فئة الشباب، وذلك من أجل سوقهم لتأدية الخدمة الإجبارية في صفوف جيش النظام.
يشار إلى أن مدينة ديرالزور تعاني منذ 10 سنوات تقريباً، من الأوضاع الاقتصادية والأمنية والصحية السيئة، وذلك منذ قيام قوات النظام باجتياح المدينة في أيلول 2012، وارتكابها مجزرة مروعة بحق أهالي حيي القصور والجورة، والتي راح ضحيتها أكثر من 500 شخص.
وبعد سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، شهدت المدينة حصاراً استمر قرابة الثلاث سنوات، منع التنظيم دخول أي مواد غذائية أو طبية إلى داخل الأحياء التي كانت تخضع لسيطرة قوات النظام.
وبعد انسحاب التنظيم وسيطرة نظام الأسد على المنطقة بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية، مازالت مدينة دير الزور تعاني إلى يومنا هذا من سياسة النظام المتمثلة بإهمال الخدمات، وفرض القبضة الأمنية على السكان، بالإضافة إلى قيام الميليشيات الإيرانية باستغلال حالة الفقر التي يعيشها الكثير من المواطنين، من أجل تجنيدهم في صفوفها واستخدامهم في نشر أفكارها الطائفية في المنطقة.