انتشرت مؤخراً ظاهرة التدخين بين الأطفال في مناطق الجزيرة السورية بشكلٍ ملفت، خاصةً أن أغلب الأطفال تعرضوا لتغييب الوالد، إما بحالة اعتقالٍ أو بحالةِ وفاة، أو اضطر بعضهم للهجرة، لتأمينِ سبل عيشٍ أفضل لعائلته، تاركاً وراءه أطفالاً بعمرٍ حساس، سريعي التأثر بالسلبيات المحيطة بهم أكثر من تأثرهم بالإيجابيات، إضافة لقلة وسائل التوعية وتراجع دور المدرسة والمدرسين، وسط ما تعيشه البلاد من حرب على كل الأصعدة.
الطالب “أحمد” البالغ من العمر 14 سنة، قال لموقع SY24: “اعتدت على التدخين منذ سنتين، من خلال مجموعة من أصدقائي، فقد أغروني بسيجارة بدافع أننا أصبحنا رجالاً، وأوهموني بأنها تزيل الهموم، ورغم إدراكي التام لأضرارها وعدم وجود أي فائدة من ورائها، إلا أنني دخنتها وأصبحت عادةً لديّ، ولم أعد أستطع الانقطاع عنها”.
السيدة “أم ساهر” قالت لـ SY24: “اعتمدتُ على ابني ساهر (15 عاماً)، بعد اعتقال والده منذ ثلاث سنوات، كونه الابن الأكبر بين إخوته، فأصبح هو المعيل الوحيد لنا، فاضطر لترك دراسته والعمل في أحد محلات تصليح السيارات، في المنطقة الصناعية ليصرف علينا، وتفاجأت منذ فترة عندما رأيت سيجارة في فمه أثناء عودته من العمل برفقة أصدقائه الذين يضع كل منهم أيضاً سيجارةً في فمه رغم أنهم بعمره”.
تضيف “أم ساهر”: “وبّخته بشدة فور وصوله للمنزل، وقمتُ بإلقاءِ محاضرة كاملة له عن مضار التدخين، خاصة أنه لازال صغيراً، فكان جوابه أنه لم يعد صغيراً، وأنه رجل البيت بعد غياب أبيه، مادام هو من يعمل ويحضرُ النقود، ويصرف عليّ وعلى إخوته، هكذا يكون قد أصبح رجلاً، فيحقُّ له كل ما يحق للرجال ويحق له أن يدخّن كذلك”!
من جانبه أكد مدرس اللغة العربية “ياسر الإسماعيل” قائلاً لـ SY24: “الطلبة في المدارس أصبحوا يدخنون في باحة المدرسة، دون خوفٍ أو وجلٍ من إدارة المدرسة، وإن وجد بينهم من يخشى أن يراه أحدٌ من الكادر التدريسي، فيتجه للتدخين في دورات المياه”.
وأشار الإسماعيل إلى أن: “هذه الظاهرة أصبحت مشكلة اجتماعية واقتصادية وصحية، بدأت تظهر آثارها جلية في المجتمع، وأن القضاء عليها يحتاج إلى تضافر الجهود من قبل الأهالي والكادر التدريسي للحد من هذه الآفة التي تهلك الكثير من البشر وتدمر مستقبل أبنائنا”.
من جهته قال “بسام عيسى” الاستشاري النفسي في حديثه لـ SY24: إنّ “بعض الطلبة يعتبرون التدخين وسيلةً لتحقيق الذات والتمرد على الأسرة والمجتمع، وأن التدخين يساعدهم في التغلب على شعور الإحباط وعدم القدرة على تغيير الواقع الاجتماعي، مما يدفعهم لإثبات الذات والثقة بالنفس والإحساس بالأمان الداخلي، للتخلص من عقدة النقص وإخفاء الشعور بالخجل والارتباك، و(بحسب تفكيرهم) فالتدخين هو من يحررهم من كل ما ذكرت”.
واعتبر عيسى أنّ “الدور الأساسي في التأثير على الأطفال والمراهقين، تلعبه الأسرة، فإذا كان أفراد الأسرة من المدخنين فستنتقل عدوى التدخين إلى أبنائهم، لأن الأطفال يتأثرون بالبيئة المحيطة بهم”.
وأكد عيسى على دور الأسرة وتأثيرها على الطفل، مشيراً إلى أنه يتوجب على أفراد الأسرة الإقلاع عن التدخين، وفي أضعف الإيمان عدم التدخين أمام أطفالهم، كي لا يتأثروا بهم.
عادة التدخين عند الأطفال ليست جديدة، بل كانت موجودة من قبل، ولكن بشكلٍ خفي وخجول، إلا أننا بتنا نشاهدها بوضوح وعلناً، في الشوارع وفي الحارات، وحتى داخل المدارس، واعتبر مختصون أنه يجب على الجهات المسؤولة اتخاذ الإجراءات المناسبة للحد منها، إن لم نقل القضاء عليها بشكلٍ كامل، فهي آفة مجتمعية تستفحل وتعكس زمرة من المشاكل والسلبيات التي تعود على جيلٍ لازال بعمر الورود.