شهدت المدن والبلدات السورية خلال السنوات الماضية حالات نزوح وتهجير عديدة، نتيجة القصف العنيف والمعارك، وكانت محافظة إدلب الوجهة الأولى لمعظم اتفاقيات التهجير القسري التي نفذها النظام، فضلاً عن موجات نزوح إليها من مختلف المحافظات السورية، ما ساهم في اجتماع بيئات اجتماعية متعددة ضمن مكان واحد.
ومع استقرار المهجرين والنازحين في مناطق متعددة من إدلب، لجأوا الى افتتاح مطاعم ومحلات لتأمين مصدر رزق لهم، وهو ما جعل أسواق إدلب تجمع مختلف الأكلات السورية في مكان واحد، في مشهد يخلق البهجة لمن يتجول في تلك الأسواق.
مأكولات سورية منوعة في سوق واحد:
“أبو نذير خولاني” أحد المهجرين من داريا تحدث عن تجربته لــ SY24 قائلاً: “بعد تهجيري الى ادلب مع عائلتي أصبت بصدمة، ولكن بعد فترة وجدت أنه لا بد من التأقلم مع الواقع الجديد، فقررت افتتاح محل شاورما ضمن مدينة إدلب، في البداية كان الإقبال ضعيفاً ولكن سرعان ما أحب الزبائن نكهة الشاورما التي أحضرها”.
وأضاف “أبو نذير”، أن “الشاورما الشامية لها شعبية في سوريا، لذا سعيت إلى إضافة نكهة خاصة من التوابل قمت بتحضيرها بنفسي، وأعطت مذاقاً مميزاً للسندويش ووجبات الشاورما، وهو ما شجع الزبائن على شرائها، والذين كانوا من المهجرين ومن سكان إدلب أيضاً”.
كما افتتح بعض المهجرون محلات تحمل طابع الأماكن التي نزحوا منها، وبعضهم أطلق تسميات للدلالة على مناطقهم، ومنها مطعم “سلطان داريا” و “مأكولات الصالحاني”، فأصبح في إدلب هناك محلات لبيع الكنافة النابلسية التي يختص بها أهل دمشق، والكبة والحلاوة الحمصية، والكليجة الديرية.
تعددت الأكلات السورية في إدلب، أعجبت أهالي ادلب وأقبلوا على شرائها، وبنفس الوقت لجأ المهجرون إلى تناول الأكلات الإدلبية كالشعيبيات والقرص ظاهر.
وقال “عبسي شيخ” أحد سكان إدلب لــ SY24: “قبل بدء الثورة سافرت إلى دمشق لتسيير بعض الأوراق، وتذوقت حينها الكنافة النابلسية وأحببتها، ومع اندلاع الثورة لم يعد بإمكاني السفر إلى دمشق، ولكن مع وصول مهجرين ونازحين إلى إدلب افتتحوا العديد من المحلات، وبات بإمكان الشخص تناول أي أكلة مرتبطة بأي محافظة وهو موجود في إدلب”.
تبادل طقوس وعادات الزواج:
وفي المقابل ساهم اجتماع النازحين والمهجّرين من مناطق مختلفة ضمن مكان واحد، في امتزاج مختلف العادات والتقاليد واللهجات، وتطور الأمر إلى حدوث حالات زواج من بيئات مختلفة لتمتزج العادات والطقوس في زفاف واحد.
وقال “أبو شاكر نيربي” من مهجري قدسيا لــ SY24: “تقدم للزواج من ابنتي أحد شبان معرتمصرين بريف ادلب حيث نقيم. ترددت في البداية كونه من منطقة أخرى، ولكن حين علمت طيب أخلاقه وافقت، بشرط إقامة حفل الزفاف على الطريقة الشامية، وبالفعل نظمنا عراضة لاقت إقبال سكان إدلب الذين لم يعتادوا على الطقوس الشامية”.
وساهم حدوث بعض حالات الزواج من محافظات مختلفة، في تعرف سكان كل منطقة على عادات وتقاليد المناطق الأخرى، وشجعت باقي السكان على تزويج أبنائهم، ما خلق حالة من التعايش والاندماج بين مختلف البيئات السورية.
وقالت “أم أسعد شعبان” من سكان أريحا لــ SY24: “حدثتني جارتي عن زواج ولدها من ابنة عائلة مهجّرة من داريا، وكيف يعيش معها بسعادة”، مضيفةً “قالت لي جارتي جملة تأكدت منها بعد زواج ابنها من ابنة داريا وهي (يلي بتزوج شامية بعيش عيشة هنية)، وهو ما شجعني لكي أبحث لإبني عن فتاة شامية”.
وأضافت “أم أسعد”، “من عادات بعض عائلات أهل الشام أنهم لا يحددون مبلغاً معيناً من الذهب ضمن المهر ويتركون الحرية للشاب ليشتري لخطيبته حسب استطاعته، ويحددون فقط مبلغ المبلس والمؤخر، أما في إدلب فيحدد أهل الفتاة مبلغاً محدداً للذهب يجب على العريس شراءه قبل الزواج، لذا وجد بعض أهل إدلب في عادة أهل الشام نوعاً من التساهل، وباتوا يطبقون هذه العادة، فبات الشاب يشتري الذهب حسب استطاعته على عكس ما كان يفعل الشبان سابقاً في إدلب”.
أشو..شكون…شو…تجتمع في مكان واحد:
كذلك ساهم تعدد نقاط التهجير والنزوح في تواجد لهجات مختلفة ضمن منطقة واحدة، وشهدت دمشق وريفها موجة التهجير الأكبر، وكل منطقة منها تختلف لهجتها قليلاً عن غيرها، فلهجة سكان داريا تختلف عن لهجة سكان قدسيا، إضافةً إلى مهجري حمص المعروفين بلهجتهم المختلفة، ونازحي دير الزور وغيرهم من سكان المنطقة الشرقية.
وقال “فهد درويش” صاحب محل غذائيات في مدينة إدلب: “باتت إدلب تجمع مختلف السوريين في مكان واحد على اختلاف لهجاتهم وعاداتهم، وحين يأتي زبون ليشتري من عندي أعرفه من لهجته قبل أن أسأله من أين هو، فسكان دمشق معروفون بكلمات منها (كيفك معلم، وشو)، والحمصي لهجته قريبة من أهل إدلب، لكن يضم أول كل كلمة، والديري نعرفه من كلمة (شكون) وغيرها من الكلمات”.
وأضاف فهد “أجلس مع جيراني من النازحين والمهجرين الذين افتتحوا محلات جانبي، وكانت فرصة تعرفت فيها على كلمات جديدة لم أكن أعرفها مسبقاً، وحتى زوجتي تعرفت على جارتها الشامية، وتعلمت منها الكثير من المأكولات، وبنفس الوقت تعلم منا النازحون والمهجرون كثير من العادات، وحتى صاروا يحدثونا بلهجتنا كنوع من الألفة، وخاصةً كلمة (أشو)”.