“إحدى عشر حبة زهرية اللون، ملأت بها كف يدي وهي ترتعش بقوة من دواء البروفين، ظناً مني أنها قادرة على إنهاء معاناتي وحياتي بآن واحد”.
هذا ما قالته “فوز” الشابة العشرينية، عن محاولة انتحارها الشهر الماضي في إحدى المخيمات شمال إدلب، والتي باءت بالفشل، وسببت لها نزيف معوي نتيجة تخرش جدار المعدة، حسب ما قاله الأطباء بعد إسعافها، محدثاً لها ألما كبيراً في جسدها، زاد من معاناتها، وماتزال إلى اليوم تخضع للعلاج.
تلوم “فوز” نفسها بشدة، وهي تنظر إلى أطفالها الخمسة، بعد أن كادت تحرمهم من وجودها بقربهم والعناية بهم، تعاني الأم وأطفالها ظروفاً مادية صعبة، إضافة إلى مرض زوجها النفسي واعتداءاته المتكررة عليهم سواء بالضرب أو الشتم، كل ذلك جعلها تكره حياتها وتتوق للتخلص مما تعانيه.
زادت في الفترة الأخيرة حالات الانتحار في الشمال السوري لأسباب كثيرة أهمها الفقر والعوز، بينما يرجع الطبيب النفسي “فؤاد الموسى” السبب إلى الضغوط النفسية التي يعيشها الأهالي بعد عشر سنوات من الحرب والنزوح والتهجير، مما خلف لديهم ردة فعل نفسية أوصلت البعض منهم إلى محاولة انتحار أو الانتحار فعلاً.
يضاف إلى ما سبق، الخلافات الأسرية التي تعد سبباً أيضاً في لجوء أحد الأطراف إلى الانتحار كما فعلت المعلمة “ميساء الدرباس” 33 عاماً، التي انتحرت نتيجة ظروف عائلية لم تعد قادرة على تحملها حسب ما تداولته مواقع إخبارية آنذاك.
تزور نساء معنفات مراكز الدعم النفسي المنتشرة في مناطق الشمال، أملاً منهن بالوصول إلى آلية تفريغ نفسي لتخفيف الضغط الذي يتعرضن له لأسباب كثيرة.
تقول “سلوى” عاملة دعم نفسي اجتماعي في إدلب، إنها واجهت أثناء عملها حالات كثيرة لفتيات ونساء حاولن الانتحار كوسيلة للتخلص من العذاب وتراوحت الوسائل المستخدمة في ذلك بين تناول عقاقير أو أدوية بشكل مفرط، أو اللجوء إلى قطع شريان اليد بقطعة زجاج أو تناول حبة الغاز القاتلة.
تؤكد “سلوى” أن مثل هذه الحالات وصلت لمرحلة شديدة الخطورة لا ينفع معها الدعم النفسي ويجب الذهاب إلى الطبيب النفسي ومتابعة العلاج هناك.
“شيماء” لم تتجاوز الخامسة عشر من عمرها، حتى عرضّت نفسها إلى محاولتي انتحار فاشلتين، بعد إرغامها على الزواج القسري من ابن عمها الأربعيني، كونها أرملة ويجب أن تتزوج حسب قول أهلها، لتكون الزوجة الثالثة له.
رفضت “شيماء” الزواج وتعرضت لضرب مبرح من والديها، وتم منعها من الخروج أو لقاء صديقاتها، ولم يكن أمامها خيار إلا حبة غاز الفوسفين كما قالت، وهي حبة قاتلة تستخدم لتعقيم الحبوب، بعد سماعها أنها أسرع وسيلة ناجحة للانتحار، تخبرنا أنها لم تتردد لحظة في الحصول عليها نتيجة الضغط النفسي الذي سببه لها والديها.
اكتشاف والدتها الأمر فجأة أنقذ “شيماء” من محاولة قتل مؤكدة، حيث سجلت عدة حالات وفاة بعد تناول الحبة ليس آخرها انتحار شاب من بلدة “زردنا” في آذار الماضي بسبب الفقر وضيق الحال.
تقول منظمة الصحة العالمية في تقرير لها صادر 2014، إنه يموت ما يقرب من 800 ألف شخص كل عام نتيجة الانتحار، وكل حالة موت يقابلها أكثر من 20 “محاولة” انتحار، كما أنه يمثل السبب الرئيسي الثاني للوفاة، بعد حوادث الطرق، بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً.
وربط التقرير بشكل وثيق بين التعرض للنزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقد والشعور بالعزلة وبين السلوك الانتحاري.