حرمان الفتيات من التعليم.. ظاهرة خطيرة تنتشر في سوريا

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

عشر سنوات من الحرب والدمار أدت إلى خروج الكثير من مرافق التعليم عن الخدمة، حيث تقدر الإحصائيات بحسب “اليونيسف”، أن أكثر من 6 آلاف منها لم تعد صالحة للارتياد من أصل نحو 22 ألف مدرسة، بعض المدارس تعرضت للدمار والآخر منها أصبح مراكز إيواء، وأخرى ثكنات عسكرية.

قد يختلف عدد المدارس من منطقة إلى آخرى، إلا أن المشترك بينها هو تراجع الواقع التعليمي، ويعاني النظام التعليمي في سوريا من الإجهاد الكبير، ونقص في التمويل والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة لملايين الأطفال.

فبين الفقر والنزوح وفقدان الأمان، تزداد المعوقات وتتنوع الأسباب التي تقف كحجر عثرة أمام إكمال الأطفال تعليمهم، لتعود للواجهة مشكلات اجتماعية كانت قد بدأت بالاندثار، إلا أن الظروف الحالية أعادتها للواجهة من جديد.

حرمان الفتيات من التعليم إحدى المشاكل التي بدأت تنتشر مؤخراً بين العائلات في كثير من المناطق السورية.

العادات والتقاليد

“فرضت الظروف القاسية عليهن الجهل والأمية، وحرمتهن من حق عيش حياة طبيعية ليضيع بذلك مستقبل الكثير منهن”، هكذا بدأت حديثها المعلمة “بتول” مع منصة SY24.

وقالت المعلمة، “اضطرتني ظروف الحرب للنزوح والاستقرار مع عائلتي في بلدة الشحيل على الضفة الشرقية من الفرات، والتي تعتبر أحد أكبر معاقل تواجد تنظيم داعش سابقاً، فرغم تراجع وتيرة الحرب في المنطقة، إلا أن الكثير من الأهالي لايزالون يرزحون تحت تركة السواد الثقيلة، حيث هيمنة الجهل والعادات والإرث المجتمعي جعل الكثير من الآباء يعتقدون أن تعليم الفتيات هو أمر ثانوي لا فائده منه، إنها في النهاية ربة منزل ومسؤولة عن أولادها بغض النظر عن عجزها على تعليمهم وحل مشاكلهم في المستقبل”.

وأضافت أن “الكثير من العوائل في المنطقة فضلت تزويج بناتها في ظل ظروف الحرب الصعبة، وفقدان الأمان تحت مسمى السترة للتخلص من مسؤولية الفتيات ونفقاتهن، ليجدن أنفسهن في معترك الحياة الزوجية، و أمام مسؤوليات كبيرة قبل الأوان، وعاجزاتً عن تحملها في كثير من الأحيان”.

تأنيث الأزمات وتبعاتها

هناك أزمات تُؤنث عن عمد، نتيجة الدفع بما يسمى العادات والتقاليد تارة أو الظروف القاسية والإهمال تارة أخرى، فنحن نعانى من تأنيث أزمات لا حصر لها، تتصل كل منها بالأخرى في سلسلة واحدة، فتأنيث الأمية ناتج عن تأنيث الفقر وتأنيث البطالة نتيجة لتأنيث الأمية، وهو أحد أهم المنغصات في حياة النساء.

بينما يواصل الأطفال تعليمهم، تجلس “فاطمة” على عتبة باب منزلها كل صباح بملامح بائسة ومكسورة تتأمل الفتيات من عمرها وهن ذاهبات إلى المدرسة.

تقول “فاطمة”: لم أتجاوز 14 عاما، انقطعت عن المدرسة منذ 4 سنوات لـ “خوف أهلي عليّ من بيئة الاختلاط” ولأن الفتاة “مرجوعها لبيتها ولا يجوز خروجها لوحدها” هكذا يخبرني والدي.

وفي سياق آخر تقول “سارة” من مدينة البصيرة، لم أتابع دراستي بسبب ظروف الحرب والنزوح، فقدت والدتي منذ عدة سنوات أثناء القصف، واضطررت للجلوس في المنزل لرعاية إخوتي والعمل مع والدي في الزراعة بسبب الأوضاع المادية السيئة.

وأضافت في حديثها مع SY24، “لست أمية استطيع القراءة والكتابة، تخليت عن متابعة تعليمي لأعطي الفرصة لأخوتي من الذكور ممن يصغروني في العمر، فأنا أحاول جاهدة أن أتابع دروسهم بعد عودتهم من المدرسة، حتى إنني تعلمت منهم الكثير”.

أما “إلهام” البالغة من العمر 21 عاما، طالبة جامعية تقيم في منطقة الجورة الواقعه تحت سيطرة النظام، تخبرنا بأن والدها لم يسمح لها بإتمام دراستها لأنها “ستضطر يوميًا للمرور على الحواجز الأمنية في الطريق للوصول إلى جامعتها، وإنها ستتعرض للتفتيش والمضايقات من قبل عناصر الأمن”.

الوضع المادي وأثره

زادت الضوائق المالية من مشقة الحياة إلى حد كبير بالنسبة للأطفال الذين يعيشون ضمن الأسر التي ترأسها النساء، ويمكن أن تؤدي قلة المال إلى قرارات أليمة، السيدة “أم أيمن” تقييم في الريف الغربي من ديرالزور، وفي لقاء خاص معها، قالت: استطعت تحمّل تكاليف إرسال واحد من ولدي الاثنين فقط إلى المدرسة، لدي صبي وفتاة، وقد اخترت ابني.

وذكرت أن “الصبي بحاجة للتعليم ليتغلب على أميته ويستطيع تعلم حرفة تعيننا بهذه الأوضاع الصعبة”.

وأضافت “أنا لست ضد تعليم الفتيات لو كانت الإمكانيات تسمح بذلك، ولكن عندما يكون الدخل المادي محدود يصبح هذا الأمر صعباً، وبكل الأحوال كل فتاة سواء كانت متعلمة أو غير متعلمة ستتزوج في النهاية، وسيكون هناك شخص مسؤول عنها وعن متطلباتها، أما الشاب فهو المتكفل بكل تلك الأمور وأرى أن تعليمه أولوية”.

 

الاختلاط واختلاف المجتمع

يعتبر مجتمع ديرالزور بغالبيته ملتزماً محافظًا على العادات والتقاليد الاجتماعية، تتمثل إحدى صور هذه المحافظة في فصل الشباب عن الفتيات في المراحل المتقدمة من الدراسة (إعدادي وثانوي) وهذه الصورة تظهر في عدد كبير من المدن والبلدات السورية، ومع تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا لجأ العديد من السكان إلى مناطق منفتحة نسبيًا تنتشر فيها المدارس المختلطة.

أحمد نازح من ديرالزور، يقيم في مدينة القامشلي، يرى أن ذهاب ابنته إلى مدرسة فيها شبان جاؤوا من بيئات وعادات مختلفة ومجهولة بالنسبة له أمر غير مقبول، ويتحدث مضيفاً: عندما كانت ابنتي في مدرسة للفتيات فقط لم تكن تسلم من تحرشات الشبان الذين يقفون أمام أبواب المدارس، فكيف ستدرس في مدرسة مختلطة وتحتك بشباب لا أعرف شيئا عن أخلاقهم وتربيتهم، نحن حالياً نعيش في وضع اجتماعي مفتوح على كافة البيئات وهذا من شأنه أن يجعلني كأب أتخوف على ابنتي من الدخول في علاقات تؤثر عليها، ولاسيما إنها في فترة المراهقة وهي فترة حرجة كما نعلم. 

 

تواصل الفتيات في غالبيات المحافظات السورية دفع ثمن الأزمة التي ستترك علامة قاتمة في حياتهن، فلا تزال الأعراف تؤثر بشكل كبير على حقوق النساء والفتيات وتحد من حرياتهن، وتمتد هذه الأزمة إلى مخيمات اللجوء في دول الجوار لنرى حالات من الجهود الفردية والتفوق للكثير منهن، بينما يتزوج أخريات باكراً.

وبحسب إحصائية لليونيسف، فإن أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المائة تقريبًا من الفتيات، ومن المرجح أن يكون العدد قد ارتفع خلال عام 2020 نتيجة تأثير جائحة “كوفيد-19.

فيما تستمر الحرب، يبقى التعليم هو منارة الأمل بالنسبة لملايين الأطفال، لكونه حق ينبغي صيانته والمثابرة عليه.

مقالات ذات صلة