مع أشعة الشمس تتجهز “أم وليد” وابنتيها اليافعتين كل يوم، من أجل الذهاب بالشاحنة التي تنقلهم من مخيمهن في مشهد “روحين” بريف إدلب الشمالي، إلى حقول الزيتون شمال غربي سوريا، حيث بدأت الأم بالعمل في قطاف الزيتون ضمن ورشة نسائية، وذلك منذ أسبوع تقريباً.
يبدأ موسم قطاف الزيتون في الشهر العاشر من كل عام، بعد أول مطر يهطل، ويستمر حوالي شهرين، تعد هذه الفترة الموسمية فرصة عمل، لعدد كثير من النساء اللواتي يلتحقن بورش القطاف، التي تؤمن لهن دخلا بسيطا يعينهن على قضاء حوائجهن المنزلية.
تقول السيدة الأربعينية “أم وليد” لمنصة SY24: “أجمع ما نحصل عليه أنا وبناتي لشراء ما ينقصنا في المنزل، كثمن الغاز والطعام ومسحوق الغسيل وغيره من اللوازم ، وهذا حالنا منذ سنوات نعمل في جميع ورش القطاف ومواسم الحصاد المختلفة فلا معيل لنا إلا أنفسنا”.
فقدت “أم وليد” زوجها منذ سبع سنوات، في قصف طال منزلهم في بلدة “ترملا” بريف إدلب الجنوبي، وأصبحت المسؤولة عن إعالة أسرتها وأولادها الأربعة، وتعد “أم وليد” واحدة من آلاف النساء، دفعتهن ظروف المعيشية الصعبة إلى العمل الشاق، مقابل أجر زهيد يحصلن عليه آخر النهار.
تخبرنا أنها تعمل أكثر من تسع ساعات يومياً في قطاف الزيتون، من الصباح الباكر إلى مغيب الشمس مقابل 25 ليرة تركية، وأحياناً لا يكون الأجر على نهار العمل، إنما حسب كمية الزيتون التي يقطفها العاملات، وهذا الأجر أفضل من العام الماضي حسب قولها، حيث كانت تتقاضى عشر ليرات فقط عن كل يوم عمل.
تقول السيدة في حديثها: “يختلف حساب الأجر من ورشة لأخرى، فهذه المرة يحاسبنا المسؤول عن القطاف على الشوال، وهو كيس كبير من الخيش، يسع حوالي ستين كيلو من الزيتون، بأجرة تتراوح بين 35_40 ليرة على الكيس، تستطيع ورشة صغيرة كورشتنا من سبع نساء أن تقطف أربع أو خمس أكياس كبيرة ونتقاسم الأجرة فيما بيننا”.
تضع “أم وليد” مع باقي النسوة الحصير وبعض تحت أشجار الزيتون ليسهل جمع الحبات المتساقطة، ويتقاسمن المهام فيما بينهن، حيث يصعد الفتيات الصغيرات إلى قلب الشجرة لالتقاط الزيتون من الأغصان العالية، كما فعلت “ريما” 14عام، فيما وقفت الشابة سناء على “السلاتة الخشبية” وهي سلم مخصص لقطف الزيتون من الخارج، تقول: إن “مهمتي التقاط حبات الزيتون من الأغصان الخارجية للشجرة”.
فيما يتولى النسوة الأكبر سناً مهمة فرز الزيتون وتنقيته من الورق، بعدما أصبحهن غير قادرات على صعود السلالم والقطاف كما كنّا يفعلن سابقاً.
تتخلل أجواء القطاف فترة استراحة لوجبة الغداء، تحضر “أم وليد” لابنتيها وباقي نساء الورشة ما جلبنه معهن من طعام، ويصنعن إبريقاً من الشاي على موقدة حطب، يستعدن بعده نشاطهن للعودة مجداً إلى العمل.
لا تنسى “أم علي” زوجة معتقل وأم لأربعة أطفال، أجواء البهجة التي كانت ترافق موسم القطاف سابقاً، بأرضها في مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، تفيد في تصريحها لمنصة SY24: “كنا سابقاً نقطف الزيتون من حقولنا، حيث تجتمع العائلة كلها كأنه موسم عيد، أما اليوم بعد ما فقدنا حقولنا ونزحنا إلى المخيمات، أصبحنا نعمل فعالة في قطاف الزيتون لتأمين أبسط مقومات الحياة”.
تنتهي رحلة القطاف اليومية قبيل غياب الشمس، وذلك بعد أن تحصي “أم وليد” وباقي النسوة، الكمية التي قطفناها، ويحسبن تقديرياً نصيب كل واحدة منهن، ثم يصعدن إلى صندوق الشاحنة، بوجوه شاحبة وثياب مغبرة، قد بدا عليهن الإرهاق والتعب يصلن إلى منازلهن بعد يوم شاق، في انتظار يوم عملٍ جديد.