إقبال النساء على المهن الخشنة في سوريا.. ما الأسباب؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

عشر سنوات من الصراع والدمار خلفت ورائها ظلماً من نوع آخر، كانت ضحيته المرأة، الحرب وما تلاها من انهيارات اقتصادية واجتماعية دفعت المرأة في أتون أعمال كانت حكرا على الرجال، كونها تتطلب مجهود عضلي، لكنها اضطرت لتحمله من أجل تأمين قوت يومها في ظل انهيار الليرة السورية والظروف الاقتصادية الصعبة وابتعاد الزوج أو الأب أو الابن أو موتهم.

“سلمى” امرأة سورية أجبرتها الظروف المعيشية القاسية على ممارسة مهن الرجال، وفي حديث خاص لها مع منصة SY24، قالت إنها مضطرة للعمل القاسي بدلً عن والدها المريض، تحمل أوزانً يصعب على الرجال حملها ولأكثر من 10 ساعات يومياً، مقابل مايعادل دولار واحد.

وأضافت أن “خجلها من طبيعة هذا العمل يجعلها تتوارى مساء عن أنظار أهل الحي بعد انتهاء فترة عملها المسائية”.

على الرغم من الظروف القاسية للحرب والنزوح إلا أن النساء السوريات واجهناها بشجاعة، فمنذ بداية الحرب حاولنا بنسب مختلفة التأقلم مع الظروف  الجديدة، حيث تؤكد الإحصائيات أن نسبة 60% من العاملين في مراكز الإغاثة والإيواء والمنظمات هن من النساء بغض النظر عن طبيعة أعمالهن.

ترى الناشطة “ديمة الحسن”، أن هناك تحول كبير في الأدوار الجندرية للسوريات بعد الثورة، مضيفة أن ممارسة المرأة لأعمال قاسية وصعبة نوعاً من أنواع العنف النفسي والجسدي الممارس في حقها.

وأشارت الناشطة إلى ارتفاع حالات الانتحار بين النساء في المنطقة الشرقية مؤخراً لتتجاوز السجلات أكثر من 40 حالة خلال عام واحد، يعزوه الخبراء إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي عاشها هؤلاء الضحايا.

الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا، دفعت الكثير من النساء للتعامل بعنف مع أجسادهن والعمل بأعمال صعبة حيث تشارك النساء الرجال في مهنة العتالة الشاقة، ساعات طويلة من العمل تحت أشعة الشمس الحارقة والأجر الذي يقدمونه ليس ثابت بسبب استغلال التجار لهم.

“سناء سعيد” 21 عاماً نازحة من ريف ديرالزور، وتعيش في مدينة القامشلي منذ خمس سنوات، تقول: “منذ مايقارب العام وأنا اسمع عن بعض الفتيات اللاتي يعملنا في مهنة العتالة، في بداية الأمر بدت لي ولأهلي الفكرة مستهجنة لكن قلة الحال دفعتني ومجموعة من معارفي للعمل بها، ولم توقفنا ثقافة العيب التي فرضتها علينا العادات والتقاليد المجتمعية”.

وأضافت “سناء” في حديثها مع منصة SY24، أعمل في ورشة مؤلفة من 10 إلى 15 فتاة، يشرف عليها رجل، يقوم بتأمين العمل والمواصلات بعد الاتفاق على الأجرة مع صاحب المستودع الأساسي، لا يرتبط عملنا بوقت محدد، ولا يوجد عليه أي نوع من الرقابة، فهناك فتيات في الورشة لم يتجاوزنا 16 عاما.

ولفتت إلى أنه “في البداية كان العمل متعباً فلم نكن معتادين على مثل هذا النوع من الأحمال الثقيلة ولكن مع مرور الوقت فقد تأقلمنا، أحيانًا يمر الأسبوع دون عمل، بسبب فرض الحظر الكلي من قبل الإدارة الذاتية لمكافحة كوفيد19، حيث نضطر حينها للذهاب للحقول لإزالة الأعشاب الضارة”.

ظروف قاسية وانتقادات لاذعة تواجهها النساء السوريات العاملات في مهن خدمية كثيرة الآن، لكنها لم تحبط من عزيمة الكثير منهن، “سوسن” أرملة تبلغ من العمر 21 عاما، لم ترأف الظروف بها، حيث وجدت نفسها قبل سنوات، مسؤولة عن إعالة أطفالها الثلاثة، بعد مقتل زوجها.

وأوضحت “سوسن”، أن “الظروف أجبرتني على النزوح، وقبول أي عمل شريف بعد فقداني لزوجي المعيل الوحيد للأسرة، أعمل نادلة في محل لبيع الوجبات السريعة في مدينة الرقة، لكن العادات المجتمعية البالية فرضت على دار المرأة والكومين إصدار قرار يقتضي بإيقاف النساء عن هذه المهنة خوفاً على الفئة الشابة من الانجرار وراء هذه الأماكن، كما أن هذا العمل لا يلائم المرأة من الناحية الدينية والأخلاقية في مجتمعنا”.

تنجذب الإناث لمهن ذكورية إما شغفا بها، أو لقسوة الظروف عليهن، يقابلهن إلى جانب ذلك استهجان المجتمع لهن بنظرة دونية ترفضها “حنان” كأنثى تمتلك قدرات لا تقل عن نظيرها الذكر حسب رأيها.

وفي سياق آخر، قالت “حنان” إنها “خريجة رياض أطفال، ومع قلة الوظائف خلال السنوات الماضية اضطررت للعمل كمرافقة صباحية ومسائية لنقل الأطفال من منازلهم إلى الروضة والعكس، ولفت انتباهي موضوع قيادة المعلمات للحافلات العامة الخاصة بالروضات في بعض المناطق الآخرى من سوريا، طرحت الموضوع على الإدارة وكان هناك ترحيب من قبلهم، وساعدوني في التدريب للحصول على الشهادة”.

أكد مختصون أن “الظروف الاقتصادية الصعبة ونزوح آلاف العائلات، كانت سببا في كسر حاجز العادات والتقاليد وفككت عددا كبيرا من الأسر، كما أن فقدان أغلب هذه العائلات لمعيلها دفع النساء لخوض غمار أعمال صعبة وقاسية”.

“لا فرق بين الجنسين”، شعار رفعته “جميلة” 22 عاما، من منطقة البوكمال على امتداد الحدود العراقية، في لقاء خاص لنا معها تخبرنا بأنه “رغم السلبيات التي واجهتني مع أهلي أثناء نزوحنا، إلا إنني تعلمت الكثير فقد امتهنت مهنة تصليح إطارات السيارات والشاحنات والدراجات، لم يبدو الأمر مؤلف بالنسبة لأهلي والمجتمع كما إنني لم أتوقع يوماً أن اعترك غمار عمل رجولي، إلا أن الظروف القاسية فرضت علينا الكثير، فرغم تعدد أشكال العنف ضد المرأة ووقوف منظمات كثيرة ضد هذه الممارسات إلا أن الكثيرين يصنفون اضطرار المرأة لتحمل أعباء أكبر من قدراتها الجسدية والنفسية شكلا آخر من العنف الممارس ضدها ليكون المجتمع والظروف السياسية والاقتصادية مسؤولين بشكل أساسي عن هذا النوع من التعنيف”.

وتشير بعض الإحصائيات الدولية، إلى أن نحو 80% من سكان سوريا يعيشون تحت خط الفقر، وارتفعت نسبة عمالة النساء السوريات في الأسواق، ودول اللجوء إلى أكثر من 87%، نتيجة الظروف التي فرضتها الحرب في البلاد على الرجال، وتوجه قطاعات كثيرة للاستعانة بالعاملات لسد حاجتها في العمل.

مقالات ذات صلة