بعد عامين على مقتله.. ماذا حل بـ “دولة البغدادي”؟

Facebook
WhatsApp
Telegram

خاص - SY24

شكّل ما أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية حول مقتل “أبو بكر البغدادي” متزعم تنظيم “داعش”، قبل عامين من الآن، الحدث الأبرز عالميًا وحتى عربيًا، وسط التوقعات آنذاك بأن مقتل زعيم التنظيم سيؤدي إلى دحر “داعش” واقتلاعه من جذوره. 

وكان اللافت للانتباه والذي أثار الكثير من التساؤلات التي وصلت إلى حد “الدهشة”، هو مسرح العملية الأمريكية الخاصة التي أسفرت عن مقتل “البغدادي”، خاصة وأن العملية تمت في قرية “باريشا” بمنطقة إدلب في شمال غربي سوريا. 

وذاع صيت “البغدادي” الذي اعتبر هدفًا محققًا للقوات الأمريكية، عندما أعلن عن ما تسمى “دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية” عام 2014، بعد بسط التنظيم سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا. 

ورغم الإعلان عن مقتل “البغدادي” والقضاء على أسطورة أن هذا التنظيم لن يقهر، فإن الشكوك ما تزال تراود حتى أمريكا والتحالف الدولي الذي تقوده، حول إمكانية استمرار خطره، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي السابق “مايك بومبيو” في تصريحات له قبل عام من الآن، بأنه “على الرغم من هذا الإنجاز البارز لا يزال داعش يشكل تهديدا وسنواصل العمل مع التحالف الدولي  لضمان هزيمته بشكل دائم”. 

الالتزام بالقضاء على “داعش” نهائيًا 

مسؤول في الخارجية الأمريكية، قال في تصريح خاص لمنصة SY24: “تواصل الولايات المتحدة والتحالف الدولي لهزيمة داعش، العمل مع شركائنا المحليين ذوي القدرات المتزايدة في مواصلة الضغط المستمر على فلول داعش في سوريا لضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم الإرهابي”. 

وأضاف أنه “يتطلب منع عودة ظهور داعش في العراق وسوريا، وكذلك من قبل الشركات التابعة لها وشبكاتها خارج الشرق الأوسط، تجديد تفعيل التزام الولايات المتحدة إلى جانب 83 من شركائنا وحلفائنا الذين يشكلون التحالف الدولي ضد داعش”. 

وفي السياق ذاته، قالت “جيرالدين جيام جريفيث”، المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في تصريح خاص لمنصة SY24، إنه “في كل عام تؤكد الولايات المتحدة على أنها مصممة على منع عودة ظهور تنظيم داعش في سوريا والعراق، وإنها تواصل العمل مع التحالف الدولي لتدمير فلول تنظيم داعش وإحباط طموحاته العالمية”. 

وأكدت أن “الولايات المتحدة مستمرة في جهودها بالتعاون مع الشركاء الدوليين لإلحاق الهزيمة الدائمة بتنظيم داعش بعد أن قامت قوات التحالف بالقضاء على قيادة الجماعة الإرهابية وحطمت قبضتها على الأراضي في سوريا والعراق”. 

وتابعت “لقد دمر التحالف الدولي لهزيمة داعش 100٪ (الخلافة) المزيفة للتنظيم على الأرض وقضى على زعيمه ولن نسمح بإعادة التنظيم حتى بوجود خلاياه النائمة في سوريا والعراق، فقد بنى التحالف شبكة لهزيمة داعش، ونواصل تكييف وتعزيز جهودنا للحدّ من الطموحات العالمية للتنظيم، بما في ذلك الحدّ من قدرته على تنفيذ الهجمات الإرهابية ونشر دعايته السامة وتمويل عملياته وتجنيد المؤيدين وتطوير ملاذات آمنة جديدة”. 

ومضت قائلة: “رغم أن (الخلافة) المزيفة للتنظيم قد تحطمت ولم يعد البغدادي موجودا لينشر إيديولوجيته البغيضة، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لضمان هزيمة داعش بشكل نهائي، لذلك نحن نراقب عن كثب أنشطة التنظيم ونعلم أن قدراته تبقى محدودة للغاية بعد هزيمته على الأرض وتدمير خلافاته”. 

 

تفاصيل العملية العسكرية الأمريكية

ولفهم ما جرى قبل عامين من الآن، عادت منصة SY24 ومن خلال التواصل مع اللواء الركن “ماجد القيسي” مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات الدولية، بالذاكرة إلى الوراء قليلًا، وتحديدا إلى الفترة التي قتل فيها “البغدادي” لاستيضاح ماهية العملية العسكرية التي نفذتها واشنطن آنذاك. 

وقال “القيسي”، إن “العملية برمتها تأتي في السياق الأمني والاستخباراتي، وهنالك معلومات أمنية متداولة مفادها بأنه قد تم تجنيد شخصٍ للوصول إلى مكان تواجد أبو بكر البغدادي، وهو الذي حدد مكان إقامته مع زوجاته وبعض مرافقيه ببلدة باريشا بريف إدلب الشمالي”. 

وأوضح أن “العملية انطلقت من خلال تسيير بعض المروحيات القتالية الهجومية من قواعد عسكرية داخل العراق وتمركزت على أطراف مدينة الحسكة في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية دون إخبارهم بماهية العملية، وذلك للتداعيات التي قد ترافقها ويستفيد منها الخصم، ورافقت تلك المروحيات مجموعة من الطائرات الأمريكية المقاتلة من طراز إف 16 انطلقت من إحدى الدول التي تقدم دعمًا لوجستيًا للقوات الأمريكية في المنطقة، واتجهوا معا بتنسيق محكم بعد العودة إلى المعلومات التي كانت تنقل آنيا من خلال المسيرة الأمريكية “MQ-9 Reaper / Predator B” والتي ساهمت بشكل كبير في تقديم الدعم المعلوماتي مرورا بتحديد الهدف وصولا إلى الانتهاء الكامل من تنفيذ العملية”.

واعتبر “القيسي”، أن “عملية قتل البغدادي تأتي بذات الإستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة في تصفية زعيم القاعدة (أسامة بن لادن)، حيث تمت العملية من خلال المسح الجوي المستفيض لمراقبة منطقة باريشا التي يقيم فيها مع عدد من مرافقيه وقياديين، حيث أخبر الجانب التركي بوجود عملية أمنية دون تحديد ماهيته لكن لغاية عدم إرباك الحليف التركي في حال تدخل المزيد من الطائرات المقاتلة لإسناد القوات التي أشرفت على تصفية زعيم القاعدة (أبو بكر البغدادي)، نظراً لأن المنطقة تتبع للنفوذ التركي في داخل سوريا وهذا يحتاج تنسيق مسبق لإتمام العملية”. 

وسألنا “القيسي”، هل تعتقدون أن هناك أسرارا لم تكشف بعد عن عملية مقتل البغدادي؟، فأجاب: “نعم هنالك الكثير من المعلومات الأمنية لا ترغب الولايات المتحدة الإعلان عنها نظراً للتداعيات التي قد ترافق الإعلان عن الجهات التي قد ساهمت في العملية من خلال تقديم الدعم الاستخباراتي والأمني واللوجستي وصولا إلى العناصر الذين شاركوا في العملية”. 

لماذا تم اختيار إدلب مسرحًا للعملية؟!

ورصدت منصة SY24، آراء بعض المحللين والباحثين المهتمين بالتطورات في سوريا والعراق، خاصة بعد مرور عامين على مقتل “البغدادي”، لفهم تطورات المرحلة الراهنة والمقبلة، وللإجابة على أسئلة عدة من أبرزها ماذا تغير بعد مقتل “البغدادي؟!.

وفي هذا الجانب أعرب الباحث في شؤون الحركات الدينية  “عرابي عبد الحي عرابي” عن اعتقاده بأنه بعد عامين على مقتل “البغدادي”، “لم يتبدل في المشهد أي شيء إضافي سوى أن البغدادي هو من قتل وهذا تم إثباته”.

وأضاف أن “البغدادي” هو من اختار منطقة إدلب للتواجد فيها لإبعاد الشبهة عن الشك فيه، وكان يحيط نفسه بعدد من الرجال الذين يثق بهم، إضافة إلى أن اختياره لإدلب لسهولة التهرب من العناصر الآخرين سواء من (قسد) أو الأمريكان أو حتى من روسيا. 

وأشار إلى أن هناك ما يقال إن المخابرات الأمريكية رصدت وجود “البغدادي” في منطقة الأنبار غربي العراق وصولا إلى مناطق شرق سوريا في 2018 و2019، وبعد ذلك اختفى أثره أو لم يتم الإعلان عن مكانه، وهذا يشير إلى أنهم كانوا يملكون بعض المعلومات لتأكيد وجوده واغتياله، حسب تعبيره. 

وعن غاية أمريكا من توزيع أهدافها واستهدافهم في مناطق متفرقة وآخرها في منطقة إدلب، بيّن “عرابي” أن الأهداف بالأصل موجودة في إدلب وأغلبها هناك وهذا ما يتكشف لنا يوما بعد يوم، وهناك أهداف موجودة في دير الزور وتم اغتيال عدد كبير من الشخصيات خلال العامين الماضيين، فهناك أكثر من 10 حالات اعتقال واغتيال في العراق وسوريا، ومنهم على سبيل المثال الأمير الأمني لتنظيم داعش في سوريا، والأمير المالي لداعش في بغداد، ومن يطلق عليه مفتي التنظيم أيضًا تم اعتقاله، وبالتالي توزيع الأهداف ليس بترتيب من قوى خارجية وإنما الشخصيات نفسها هي من اختارت ذلك التوزيع للتخلص من المراقبة أو الإيقاع بهم بكمائن ما. 

واستبعد “عرابي” أن يكون للعملية الأمنية الأمريكية أي “أبعاد دينية”، وإنما العملية “تمت في إطار ما يسمى مكافحة الإرهاب، خاصة وأن ترامب (الرئيس الأمريكي السابق) كان بحاجة لأي نصر وإن كان معنويًا”. 

وختم قائلًا: إن “مقتل البغدادي، لم يؤثر كثيرًا في موضوع تنظيم داعش، لأن البغدادي عمليًا كان يشرف من بعيد على التنظيم ولم يكن المشرف الحقيقي أو الفعلي، ومن أجل ذلك لم يؤثر مقتله كثيرًا على داعش”. 

إعادة ترتيب الأوراق

وفي ردّ على سؤال مفاده، بالتزامن مع الانتهاء من محاربة الإرهاب والانتهاء من تواجد (داعش) في سوريا، لماذا يُفسح المجال للميليشيات الإيرانية الانتشار الكبير في سوريا؟ وهل ستحارب الولايات المتحدة هذه الميليشيات رغم أن خطرها على تواجد الولايات المتحدة أكبر من تنظيم (داعش) نفسه؟، أجابت المحللة والباحثة السياسية في العلاقات الأميركية والشرق الأوسط “روان الرجولة”، قائلة: “أولا، لا أعتقد أن تعبير (يفسح المجال) هو التعبير الأدق لتوصيف ما يحدث على الأرض في سورية، وعلى الأغلب أن الإدارة الحالية قد أنهت مراجعة سياسة سورية، ويمكن القول إنه سنرى نوع من الانخراط للإدارة الحالية على الملف السوري، ولكن ليس فقط بخصوص سورية ولكن فيما يتعلق بالمنطقة ومنها العراق وإيران”. 

وتابعت “لا أعتقد أن هناك (حرب) بمعنى حرب، وتعريف الإرهاب متفاوت بين الدول الإقليمية والدولية، لذا أعتقد أن الوضع السياسي الجديد في العراق سيحتم خارطة تكتيكية وعملياتية جديدة لكيفية محاربة الإرهاب، وهذا بدوره سينسحب على سورية وبالأخص بانتظار نتائج المفاوضات للعودة للاتفاق النووي الإيراني”. 

وختمت أنه “لا ننسى دور إسرائيل في المنطقة فيما يتعلق باستهداف مراكز الذخيرة التابعة لميليشيات حزب الله في سوريا، ولا أعتقد أن هذا الأمر سيتغير على المدى المنظور”.

“داعش” وتكتيك “الذئاب المنفردة”

أمّا الناشط السياسي “مصطفى النعيمي” فأدلى برأيه تعقيبًا على مرور عامين على مقتل “البغدادي”، لافتًا إلى أن الاستراتيجية الأمريكية تغيرت من المواجهة الميدانية والبرية إلى الحرب عبر المسيرات والتي أتاحت للولايات المتحدة التحرك ضمن خارطة أوسع وبتكاليف أقل وبخسائر بشرية صفرية”.

وأضاف “شاهدنا ذلك من خلال عملية تصفية قادة في تنظيم داعش وتنظيم حراس الدين وملاحقة المطلوبين من قيادات الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات، والتي بدورها حدت من انتشار التنظيم، إضافة إلى المتابعة الأمنية لتحركات الخلايا”.

وأعرب عن اعتقاده بالقول “ربما نشهد عمليات واسعة النطاق في ملاحقة التنظيمات الراديكالية بكافة صنوفها سواء التي تنتمي لتنظيم القاعدة أو التي تنتمي إلى الولائية بكافة صنوفها لاسيما حزب الله اللبناني”.

ولفت الانتباه إلى أن “تكتيك داعش سيتغير في المرحلة القادمة وذلك بعد أن فقد السيطرة على الأرض وابسبب اعتقال الكثير من عناصره مما أجبره على اتباع سياسة الذئاب المنفردة في استهدافه لمن بوصفهم أعدائه،و هذا التكتيك بدأ ناجحا في عملياته الي استهدافه لمحور النظام السوري لكنها غير مجدية مع الولايات المتحدة مطلقا”.

“داعش” يواصل الانتعاش بـ “خلايا نائمة” في سوريا

ورغم أن ما يطفو على السطح ظاهريًا هو “تقهقر وانحسار لداعش” في كثير من مناطق سورية كانت تحت سيطرته، إلا أن ما يجري خلف الكواليس وخاصة في منطقة البادية السورية وحتى في بعض المناطق شرقي سوريا يشي بعكس ذلك، بمعنى أن التنظيم يعود للظهور بين الفترة والأخرى من خلال تنفيذ هجمات وعمليات محدودة ضد النظام السوري وميليشياته والمجموعات المساندة له، أو تنفيذ عمليات ضد عناصر “قسد” في مناطق سيطرتها، معتمدًا في كل العمليات على “خلايا نائمة” تتبع له، أو على عناصر فروا وتجمعوا في البادية السورية كمعقل رئيسي لهم. 

واستطاع التنظيم بعد نهاية حقبة سيطرته على مساحة واسعة من الأراضي في سوريا والعراق من التحول إلى حرب عصابات، متخذا من البادية السورية نقطة انطلاق جميع عملياته ضد قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه. 

الجدير ذكره أنه وفي 23 آذار 2019، أعلن التحالف الدولي السيطرة على آخر جيب لتنظيم داعش في منطقة “الباغوز” في شمال شرقي سوريا، بما ينهي دولة “الخلافة” التي أعلنها التنظيم بعد أعوام من القتال، خاصة وأن “الباغوز” كانت المعقل الأخير الذي فر منه عناصر “داعش” باتجاه مناطق متفرقة ومنها البادية السورية. 

يشار إلى أن “البغدادي”، هو من أعلن “دولة الخلافة” من على منبر “جامع النوري الكبير” في الموصل عام 2014.

مقالات ذات صلة