فتيات بعمر الزهور تتحملن أعباء لا قدرة لهن عليها، وفي غالبية الأحيان لا تستوعبن دوراً فرض عليهن، فزواج القاصرات اغتصاب بحق الطفولة واعتداء على الكرامة الإنسانية، وهو جريمة مكتملة الأركان لما يخلفه من آثار نفسية وجسدية على طفلة مازالت تحتاج من يرعاها لا من ترعاه.
يخيّل لك عند النظرة الأولى إليهن بأنهن يحملنا دمى صغيرة ويلعبن بها، لكنّ المفارقة أنّ هذه “الدمى” تكبر في ظل عجز يكبر هو أيضاً عن القدرة على الوفاء بالتزاماتها الإنسانية ورعايتها والاهتمام بها، وهذا صعب أن تتحمله فتاة مراهقة، هكذا بدأت حديثها الطبيبة “سهى” المقيمة في إحدى المشافي الحكومية في حديث خاص لها مع منصة SY24.
العواقب الصحية
تقول “سهى”: قبل التطرق إلى الإنعكاسات النفسية والاجتماعية للإنجاب، مبكراً أو متأخراً، تجدر الإشارة هنا إلى أن معظم البحوث العالمية تشير إلى ازدياد خطورة الحمل قبل 18 وبعد 35 عاماً، حيث ترتفع بذلك الأخطار التي تهدد حياة كل من الأم والطفل والتي غالباً ماتؤدي إلى مضاعفات، كما أن جسم المرأة في هذه السن قد لا يتحمل حجم الجنين في الأشهر الأخيرة.
وزادت قائلة: أثناء إقامتي في المشفى خلال السنوات الماضية صادفت أكثر من حالة إسعافية مستعجلة أودت بإجهاض الطفل للمحافظة على حياة الأم، وتعددت أيضاً حالات الوفيات لدى النساء أثناء عملية الوضع نتيجة نزيف حاد، ناهيك عن الوقوع بحالة من الاكتئاب بعد مرورهم بهذه المرحلة، إضافة لرصدنا الكثير من حالات الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي خلال الزيارات المتكررة والروتينية.
وأضافت “لاحظنا بأن الولادة بواسطة العملية القيصرية أعلى من معدلها الطبيعي في الظروف العادية بـ 3 إلى 5 مرات، حيث أصبحت غالبية النساء تقوم بتحديد موعد العملية مقدماً في محاولة منهن لتجنب الاضطرار للإسراع إلى المستشفى في ظل ظروف لا يمكن التنبؤ بها، والتي غالباً ما تكون خطرة”.
وأشارت الطبيبة إلى أن “غالبية الفتيات في مجتمعنا يفرض عليهن الزواج المبكر وخصوصاً بالظروف الحالية حيث تتعرض الفتيات لضغوط من أجل الزواج وإنجاب الأطفال في سن مبكرة، فمعظمهن لم يتجاوزنا الـ 18 من عمرهم، وبذلك تختار الفتيات بأن يصبحن حوامل لأن فرص التعليم والعمل المتاحة لهن محدودة. كما أن الزواج والإنجاب قد يشكل أفضل الخيارات لهن”.
العادات والتقاليد
قد لا تتمكن غالبية المراهقات المتزوجات في مجتمعنا، واللاتي يرغبن بتجنب الحمل المبكر من القيام بذلك خشية العادات والتقاليد المفروضة عليهن، إضافة لغيب الفجوة المعرفية والمفاهيم الخاطئة والسائدة.
ضحى 16 عام تخبرنا، “بعد نزوحي وعائلتي إلى أحد المخيمات، فرضت علي الظروف ترك التعليم ولم يتبقى لي فرصة لمتابعة حياتي سوى الزواج من ابن عمي والذي كان من الصعب على والدي رفضه أثناء تقدمه لخطبتي، فبعد زواجنا بأقل من ثلاثة أشهر بدأٌت اٌسأل من قبل المجتمع المحيط عما إذا أصبح لدي حمل، وفي كل شهر يتم عرضي على القابلة القانونية في المخيم لمعرفة ما إذا كان هناك سبب لعدم حملي للآن وكنت أصاب بحالة من الاكتئاب في كل مرة”.
أما “بتول” أم لـ 5 أطفال، فتقول: “أنجبت ابني الأول وأنا في عمر 14 عام، أذكر حينها تعرضي للإجهاض مرتين قبل حملي ورغم تحذير الطبيبة آنذاك لي ولزوجي بأن جسدي لم يعد يقوى في ذلك الوقت على الحمل، إلا أنني أغفلت كلامها خشيةً من نظرة المجتمع لي حال تأخري أكثر”.
وفي تشابه لنفس الظروف المجتمعية، تقول “أم محمود” البالغة من العمر 55 عاما، “أنجبت جميع أولادي في سن مبكرة فأنا اليوم على عتبة الخمسين اعتبر أولادي رفاق دربي، وأحفادي يمنحوني السعادة، فرغم حظي العاثر والصعاب التي واجهتها أثناء حملي المبكر إلا أنني أنجبت أولادي الثلاثة قبل أن أبلغ 23، كنت أربيهم بالغريزة من دون تخطيط أو وعي أو تطبيق المبادئ التربوية، تعلمت بهم ومعهم إذا صح التعبير، لكن رغم سعادتي الحالية فقد رفضت أن تعيش ابنتي نفس التجربة، لذا ألزمتها متابعة تحصيلها الجامعي ودخولها معترك العمل حتى تنضج وتتخذ قرارها بوعي واقتناع”.
أما على الصعيد الحياتي، فالإنجاب المبكر يرهق المرأة الخارجة بالكاد من طفولتها بتحميلها مسؤولية كبيرة وخصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الفتيات في سوريا، فغالبيتهن لا يمتلكنا الوعي المطلوب للاهتمام بالمولود صحياً وتنشئته خلال فترة نموه نفسياً وتربوياً.
ثمن الحرب …. والوفيات النفاسية
وفي هذا السياق تقول “أم عبدالرحمن”: “بسبب عدم توفر العناية اللازمة للنساء في أكثر المناطق وبعد المراكز الصحية وغلاء المواصلات لم أتمكن من متابعة حالتي الصحية بشكل شهري، وهذا ما تسبب بإصابتي بتهشم وهبوط في الرحم، أثناء ولادتي فقدت طفلي لأبقى أنا على قيد الحياة، فالسوء التغذية الذي يتعرض له غالبيتنا الآن جعل الكثير من الأمهات يفقدنا أولادهن.