مع ساعات الصباح الباردة، يخرج الطفلين “مصطفى 12 عام”، وشقيقه الذي يصغره بعامين، إلى حقل الزيتون القريب من مخيمهم في “كفر لوسين” شمال إدلب، بعد أن انتهى صاحب الأرض من حصاد موسمه هذا العام، ليبدأ مصطفى وشقيقه، رحلة “تعفير الزيتون”.
“عفارة الزيتون” مصطلح شعبي يطلق على عملية التقاط حبات الزيتون المتبقية في الشجر، أو المتساقطة على الأرض، بعد انتهاء صاحب الحقل من حصاد موسمه، حيث يجمع الصبية الصغار ما استطاعوا جمعه، ثم يسرعون إلى السوق لبيع ما التقطوا من ثمار الزيتون المنسية سهواً بين الأغصان.
يلتقي الصبية مع رفاقهم من الأطفال في حقول الزيتون، يحملون أكياساً من الخيش الأبيض ترك زيت الزيتون عليهم تصبغات سوداء، وحتى ثيابهم لم تنجو من غبار الزيتون وتراب الحقل أيضاً، يتسابقون في تسلق الأشجار والحصول على الحبات قبل بعضهم البعض.
عائلات كثيرة ترسل أطفالها لـ “تعفير الزيتون”، في فترة قصيرة تأتي عقب انتهاء موسم الحصاد، مقابل الحصول على مردود قليل جداً، لا يخلو من استغلال من يشتري منهم الزيتون، بنصف ثمن ما يباع في السوق، إذ يتراوح سعر كيلو الزيتون حسب نوعه من 6_8 ليرات تركية.
يقول لنا الطفل “مصطفى”: “نبيع كيلو الزيتون المعفر بـ 2.5 ليرة تركية أو أقل من ذلك، أحياناً نبيع بـ 20 ليرة أو 30 ليرة، حيث تكفينا ثمن وجبة غداء واحدة لعائلتنا، وقطعتي حلوة لي ولأخي”.
يعيش مصطفى مع أمه وإخوته الأربعة الصغار، بعد وفاة والدهم بقصف طال بلدتهم في ريف “معرة النعمان” جنوب إدلب، قبل سنوات، ليجدوا أنفسهم أيتام بلا معيل في مخيمات النزوح شمال إدلب، وتعد فترة حصاد موسم الزيتون فرصة عمل مؤقتة لـ “مصطفى” وعائلات كثيرة حالها كحال عائلته، في ظل الظروف المعيشية المتردية.
تحدثنا والدة “مصطفى”، أنها ليست راضية عن ذهاب أبنائها للتعفير، خاصة في هذه الأيام الباردة، وما يلحقهم من أمراض بسبب الطقس، كما أنهم يتغيبون عن المدرسة لعدة أيام، من أجل الذهاب إلى حقول الزيتون، غير أن حالتهم المعيشية الصعبة تجبر أولادها على تحمل مسؤولية أكبر من أعمارهم كحال كثير من الصبية في الشمال السوري.
عادة ما تخرج النسوة والأطفال وبعض العائلات للعمل في “عفارة” الزيتون، بعد أخذ الأذن من صاحب الأرض، وذلك قبل أن يأتي مربو الأغنام لضمان الأرض والاستفادة منها، تقول “أم مصفى”: “نسابق الرعيان في تعفير ما تبقى من الزيتون، ونحرص على الذهاب باكراً قبل الجميع، من أجل الحصول على كمية وافرة”.
الحاج “حسين أبو خالد” ذكر في حديثه مع منصة SY24، أنه لا يفضل أن يبقى الأطفال لوحدهم أثناء تعفير الزيتون من حقله في “عقربات”، لذا يبقى معهم ليراقبهم ويمنعهم من تكسير الأغصان أو إلحاق أذى بالشجر إلى أن ينتهوا.
كما لا تخلو عملية التعفير من خطورة كبيرة ولاسيما في مناطق التماس القريبة من مناطق سيطرة النظام، كمناطق جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، حيث قضى عدد كبير من الأهالي بقصف طال الأراضي الزراعية أثناء القطاف.
وفي 1 تشرين الثاني الحالي، أصيب شاب بجروح بليغة جراء قصف مدفعي لقوات النظام وروسيا استهدف مجموعة من العمال أثناء جني محصول الزيتون على أطراف بلدة “كنصفرة” في محافظة إدلب.