أصبحت ظاهرة الدروس الخصوصية للطلاب في مناطق النظام السوري، ضرورةً لا غنى عنها، ولاسيما لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، لكن تكلفتها المرتفعة باتت عبئاً ثقيلاً على أهالي الطلاب، في ظل الظروف المعيشية المتردية التي لكثير من الأسر.
السيدة “هيام” مقيمة في مساكن بزرة بدمشق، وهي أم لأربعة طلاب، اثنين منهم في مرحلتي الإعدادية والثانوية، تشكي في حديثها لمنصة SY24، عن تكلفة الدروس الخصوصية المرتفعة لولديها، تقول: “اضطررت لدفع مبالغ مرتفعة لحضور المعلمين إلى منزلي لتدريس أولادي، بهدف رفع مستواهم العلمي، خاصة أن المناهج صعبة للغاية، وتحتاج شرح وافٍ وتركيز كبير، لا يتوفر في المدارس الحكومية”.
تلقي “هيام” أسباب لجوء الأهالي للدروس الخصوصية إلى ضعف مستوى التعليم في المدارس، ووجود معلمين وكلاء، خبرتهم التدريسية ضعيفة، وأسلوبهم التعليمي نمطي يتعمد على التلقين والحفظ، بعد هجرة أغلب الكفاءات التدريسية خارج البلد.
تقول السيدة: “لاحظت تراجع كبير في مستوى فهم أولادي للمناهج، وهم في مرحلة مصيرية تحدد مستقبلهم، فلم يكن أمامي سوى الدروس الخصوصية لضمان نجاحهم خاصة في المواد العلمية، مثل الرياضيات والفيزياء لطلاب البكالوريا”.
ليست “هيام” وحدها من تلجأ إلى دروس الخصوصية، بل هناك شريحة واسعة من الطلاب يعتمدون على دورات التقوية والمعاهد الخاصة والدروس الخصوصية لمتابعة تعليمهم، وفهم المناهج التدريسية في مختلف المراحل والصفوف.
غير أن ارتفاع تكلفة التدريس الخاص أرهق الأهالي حسب من تحدثنا إليهم، إذ ترتفع الأسعار كثيراً كلما اقترب موعد الامتحانات الفصلية.
يقول لنا “خالد الشامي” اسم مستعار لمعلم مادة الرياضيات في منطقة “ركن الدين”: “هناك عوامل عدة تتحكم في تكلفة ساعة الدروس الخصوصية من حيث المنطقة والمادة والفصل الدراسي”.
ويضيف أن “درس الرياضيات أو الفيزياء للبكالوريا العلمي يبدأ من ستة آلاف ويصل إلى 12 ألف في بعض المناطق، إذا كان المعلم ذو شهرة وخبرة كبيرة في التدريس ويعتمد على نوطة، وملخصات أعدها بنفسه فيها أهم المسائل والأسئلة المتوقعة”.
بينما تكلفة المواد الأدبية أقل من العلمية، وتبدأ من ألفين حتى عشرة آلاف للدرس الواحد في بعض مناطق دمشق ذات الدخل المادي المرتفع حسب قول “الشامي”، الذي أكد أن “الأسعار تتماشى مع جهد المعلم وهي طبيعية، مقارنة عما كانت عليه قبل انخفاض قيمة الليرة السورية”.
فيما تجد معلمة اللغة العربية “نوار”، أن أسعار الدروس الخصوصية في الريف أقل بكثير من المدينة، فهي تتقاضى عن كل درس خاص ثلاثة آلاف ليرة في منطقة التل وباقي المواد تتراوح من ألفين حتى خمسة آلاف.
تقول “نوار”: إن “راتب المعلم لم يعد يكفيه ثمن مواصلات، ويضطر للعمل الإضافي في مهنته بدروس التقوية المنزلية أو المعاهد لتحسين دخله، وهو يبذل جهداً مضاعفاً في عمله طيلة النهار”.
يلجأ عدد كبير من المدرسين في مناطق سيطرة النظام، إلى إعطاء الطلاب دروساً خصوصية إما في المنزل أو في معاهد خاصة، لتحسين دخلهم المادي الأمر الذي يراه أهالي الطلاب أنه يعود إلى إهمال متعمد من قبل بعض المعلمين في المدارس لجذب الطلاب إلى الدروس الخصوصية وتحقيق دخل مادي على حساب الطلاب.
يقول والد أحد الطلاب في منطقة “برزة البلد” رفض ذكر اسمه، أن “راتبه لا يحتمل دروساً خصوصية لأولاده، حتى وإن كانوا في مرحلة الشهادة الثانوية، واستدان مبلغاً كبيراً لدفع أقساط معهد ابنته الخاص في ساحة الشهبندر بدمشق، ولمادتين فقط هما العربي واللغة الإنجليزية”.
ذكر مؤشر جودة التعليم العالمي الذي صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لعام الدراسي 2017-2018، أن “سوريا خارج التصنيف العالمي الذي شمل ١٤٠ دولة، من ناحية جودة التعليم، والمؤسسات، البنية التحتية، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم الجامعي والتدريب، بيئة الاقتصاد الكلي”.
وذلك نتيجة تردي الوضع التعليمي في المدارس، من جهة ارتفاع عدد الطلاب في الصف الواحد، والتسرب المدرسي، والغش الممنهج في الامتحانات والضعف التكنولوجي، لتكون الدروس الخصوصية واقعاً مفروضاً على الطلاب وذويهم، يقتطع تكلفته من قوت الأهالي ومصروفهم اليومي.