تعتبر إشكالية الحفاظ على اللغة العربية في بلاد المهجر، أولوية لدى كثير من الأسر السورية التي هاجرت منذ سنوات إلى أوروبا وكندا وأمريكا وغيرها من الدول الأجنبية.
حيث يواجهون خطر تلاشي اللغة الأم على حساب لغة البلد الجديد، ولاسيما فئة الأطفال دون سن الثانية عشر، لأنهم أكثر تأثراً بالبيئة اللغوية الجديدة، وأكثر عرضة لنسيانها نتيجة التزاحم بين اللغتين.
تحرص السيدة الثلاثينية “أميرة محمد” بعد لجوئها إلى كندا منذ خمس سنوات، على التمسك باللغة العربية كلغة محادثة في المنزل مع أطفالها الثلاثة، تقول في حديثها مع منصة SY24: “أنا لا أترك وسيلة للحفاظ على اللغة العربية إلا أحضرها لأطفالي، كالقصص وروايات الأطفال، ومتابعة برامج علمية باللغة العربية، بالإضافة إلى اعتمادها لغة الحديث اليومي في المنزل”.
تخبرنا “أميرة” أنها تخشى ضياع لغة التواصل بين أطفالها وأجدادهم في المستقبل، فهي هوية جيل بأكمله، مهددة بالوَأد إن لم يكن الأهل حريصين على التمسك بها، أو نتيجة إهمال التحدث اليومي بين أفراد الأسرة حسب قولها.
هذا الصراع القوي بين اللغة العربية واللغة الجديدة واجهته “أميرة” مع طفلتها “لين” ذات الأربع سنوات، بعد دخولها الروضة، والبدء بتعلم الإنجليزية، تقول: إن “اللغة الإنجليزية أسهل بكثير من العربية، بالنسبة لمخارج الحروف، وطريقة النطق وعدد المفردات، وكان سهلا على لين تعلمها من رفيقاتها في الروضة، بينما اللغة العربية فهي أصعب بكثير”.
تشرح “أمل محمود” حاصلة على درجة ماجستير بعلم “اللسانيات والصوتيات” لمنصة” SY24 ” عن حالة تسمى “تداخل اللغات” عند الطفل، تقول لنا: إن “عدم تمكن الطفل من التحدث بلغته الأم، ثم تعلمه لغة جديدة، يولد لديه تداخل لغات، حيث يفكر بلغة ويتكلم بأخرى، فتختلط قواعد اللغتين ومفرداتهما حسب ما يراه أسهل وأسرع في النطق والحفظ، مما يسبب له إرباكاً وضعفاً في اللغتين أو إحداهما على الأقل”.
وتضيف “أنه يمكن تجنب ذلك عن طريق عدم خلط المفردات معاً، واعتماد الحديث في المنزل بين الأسرة على اللغة الأم”.
تصل عدة أسئلة من قبل المغتربين السوريين للسيدة “أمل”، للوصول إلى وسيلة في الحفاظ على اللغة العربية لدى أولادهم، تقول في حديثها لنا: إن “بمجرد استخدام الطفل للغة جديدة، وإهمال لغته الأم، فإنها تتآكل وتمحى نتيجة عدم الاستخدام، فالمهارات اللغوية للأطفال، تتأثر كثيراً بالبيئة الخارجية، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الأبوين، بضرورة التحدث مع الطفل في سنواته الأولى باللغة الأم حتى يكتسبها بصورة تلقائية ثم يتحدث بها مستقبلاً”.
تضيف” المحمود”، أن “حرص المهاجرين على الحفاظ على لغتهم وإكسابها لأبنائهم، يجعل الحفاظ عليها واجب ديني، مرهون بإكساب الطفل القدرة على قراءة وفهم القرآن وممارسة الشعائر الدينية، وكذلك حق ثقافي للحفاظ على هويتهم”.
تقيم السيدة “منال سليمان” مع عائلتها في بريطانيا منذ عشر سنوات، وأنجبت أطفالها الأربعة هناك، تقول لنا: “خوفي أنا وزوجي على ضياع اللغة العربية لدى أطفالنا جعل هاجس الصراع في الحفاظ عليها أولوية في حياتنا، فهي صلة الوصل بين تاريخنا وهويتنا وديننا، وخاصة أن الأطفال ولدوا في لندن وأخاف أن يفقدوا بوصلة انتمائهم في حين فقدوا اللغة العربية”.
تحرص “منال” على تلقين أبنائها اللغة العربية عن طريق وضع دروس خصوصية للغة العربية والقرآن في المنزل، وتسجيل الأولاد في معاهد خاصة في اللغة العربية، إضافة إلى التحدث دوماً بها في المنزل.
كما أخبرتنا أنها علقت لوحة كبيرة في إحدى الغرف تحوي الأحرف باللغة العربية بشكل واضح، لتبقى أمام نظر أطفالها، وتحفظ في عقولهم بصرياً ولفظياً عن طريق تكرار أسماء الحروف وكيفية نطقها.
تقول: إن “أي تقصير في اللغة العربية سيبعد طفلي عن القرآن الكريم وفهمه واستيعابه، وأنا أتجنب ذلك وأسعى للحفاظ على لغتهم وانتمائهم”.
تعتبر اللغة العربية من أغنى اللغات وأكثرها تحدثاً ضمن مجموعة اللغات السامية، حيث تحتل المركز الرابع كأكثر اللغات انتشاراً في العالم، يتحدث بها ما يقارب 280 مليون شخص، كما أنها إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة.