تلتقط “نورة” كما عرفت لنا عن نفسها، صوراً لمكنسة كهربائية، و”مانطو” نسائي أسود اللون، وخلاط كهربائي، وسجادة صوف، بواسطة جوالها، ثم ترسل الصور مع وصف دقيق للمحتويات، وثمن المبيع لكل قطعة في مجموعتها على مواقع التواصل الاجتماعي القريبة من برزة البلد حيث تقيم “نورة”.
تقول “نورة” لمنصة SY24، إنها تشرف على مجموعتين لبيع الأغراض المستعملة منذ سنتين، ولاقت قبولاً كبيراً من الأشخاص المشتركين، الذين يعرضون أشيائهم سوءاً الملابس أو قطع الأثاث، وحتى نبات الزينة، وكل ما يمكن بيعه أو مقايضته عبر فضاء النت الافتراضي.
ظروف البلد الاقتصادية أجبرت السوريين على التفكير بوسائل جديدة لتأمين مستلزماتهم المعيشية، عبر مبادلة عدد من الأغراض التي استغنوا عن استعمالها لسبب ما، إحداها القطع الكهربائية التي أصبحت قليلة الاستعمال نتيجة شح الكهرباء.
قبل أسبوع، أتمت “نوال” صفقة بيع مربحة حسب وصفها، في إحدى مجموعات الفيس بوك لبيع المستعمل، حيث حصلت على مدفأة حطب “شبه جديدة” مقابل جهاز “الميكروويف” الخاص بتسخين الطعام، كونها لم تعد تستخدمه منذ مدة.
تقول في حديثها لنا: “لم أعد أرغب باقتناء بعض الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها، مقابل غرض آخر أنا بأمس الحاجة إليه في الوقت الحالي، ولكن لا قدرة لي بشرائه لارتفاع سعره”.
“نوال” معلمة في منطقة دمر بدمشق، لا يتجاوز راتبها الشهري 70 ألف ليرة، وهو غير كاف لشراء مدفأة مع اقتراب الشتاء، فكانت عملية التبادل حلا ناجحاً لها، بسبب ظروفها المادية الصعبة التي حرمتها شراء مدفأة جديدة دون خسارة أحد أغراضها.
حالة الغلاء الفاحش الذي تشهده مناطق سيطرة النظام، وعدم تناسب دخل المواطن مع ارتفاع الأسعار، جعلت كثيراً منهم يلجأ لبيع أثاثه مقابل تأمين لقمة العيش.
من خلال إدارتها لمجموعة المستعمل لاحظت “نورة” حاجة النساء إلى الحصول على المال من أجل تأمين حاجات “أكثر ضرراً” حسب وصفهن، من وجود مقتنيات قديمة لم يعد وجودها ضرورياً، تقول في تصريح خاص: “أشرفت بنفسي على بيع غسالة اتوماتيك و”طقم كنبايات” وبعض الأدوات الكهربائية، لسيدة أرملة من مدينة التل تريد تأمين طعام لأطفالها، وكسوة شتوية ووقود للتدفئة”
حالة الفقر التي يعيشها الأهالي لم تعد قادرة على تحمل الغلاء، فاتجه بعضهم لبيع ما يمكن بيعه حيث تتنوع الأشياء المعروضة للبيع أو المقايضة في غرف الواتس أو مجموعات الفيس بوك والتلغرام، تقول “نورة”: إن الأهالي يعرضون الملابس والأحذية وأطقم الزجاج المنزلية، ولوحات الزينة، والأدوات الكهربائية، والفرش وغرف النوم، وعدد كبير من الصمديات التي تشتهر بها الأسر السورية، وهي مقتنيات الزينة كانت تتباهى بها المرأة في منزلها كنوع من الرخاء المادي والرفاهية.
تكمل” نورة” حديثها، قائلة: إن هذه المظاهر لم تعد موجودة في أغلب منازل الأسر السورية، بسبب بيعها وشراء حاجات أكثر ضرورة واستخداماً من قبل تلك الأسر.
ليست الحالة المادية الصعبة فحسب، التي يعيشها السكان في دمشق، ما يدفعهم لبيع أغراضهم، بل هناك بيع بداعي السفر، كما هو حال عائلة “أبو جميل” من سكان مدينة دوما في ريف دمشق، حيث لجأ لبيع كامل أثاث منزله بنصف سعره كما أخبرنا، بسبب عزمه السفر هو وزوجته الشهر القادم إلى أولاده في ألمانيا، موضحا أنه “لم يعد بالبلد ما يستحق العيش لأجله، بعت بيتي وذكرياتي للحاق بأبنائي بعد أن فقدت الأمل بعودتهم”.
“أبو جميل” واحد من آلاف الأشخاص الذين باعوا ممتلكاتهم وأثاث منازلهم لتأمين تكلفة السفر، أو ليقينهم بعدم العودة إلى البلاد بعد سفرهم إلى الخارج.
في حين وجد “هشام” وهو اسم مستعار لشاب عشريني يقيم في القابون بمدينة دمشق، أن مجموعته الخاصة على”فيسبوك” وغرفة “الواتس” لبيع المستعمل، أمنتا له دخلا جيداً من خلال عمله “كسمسار إلكتروني”.
يقول في حديثه لمنصة SY24: “أقوم بنشر صور الأغراض والقطع المراد بيعها من قبل معارفي وزبائني، مقابل نسبة ربح قليلة ولكنها جيدة في ظل شح فرص العمل”.
بالوقت الذي يستغل “هشام” انتشار مجموعته على وسائل التواصل الاجتماعي للعمل كوسيط بين البائع والمشتري، ترى “منال” أن البيع عبر الإنترنت يساعد الزبائن في الوصول إلى حاجاتهم يتم دون وسيط بين البائع والمشتري وبالتالي يوفر على الطرفين أجرة السمسرة.
تقول “منال”: “اشترك عبر حسابي في فيسبوك بأكثر من ست مجموعات لبيع ومبادلة الأغراض، اخترتها قريبة من مكان سكني في الزاهرة حتى لا أتكلف عناء الوصول للبائع بمكان بعيد، وقد اشتريت كثيراً من الملابس والأغراض النظيفة والجميلة وبسعر رخيص”.
لم يعد بمقدور “منال” كغيرها من السكان شراء الملابس أو الأدوات الجديدة بسبب ارتفاع أسعارها، فكانت الأغراض المستعملة حلاً جيداً لشراء ما تحتاجه، وبسعر مناسب قد يصل لنصف سعر الجديد أحياناً.
يذكر أن حوالي 90 بالمئة من السكان في سوريا، يعانون من فقر شديد، بحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، حيث دفع الفقر الكثير منهم للتحايل على الظروف المعيشة القاسية، بشتى الطرق، ليس آخرها بيع أغراضهم وأثاث منازلهم لتأمين لقمة عيشهم.