لم يبدو على الطفل “علاء” أي أعراض غير طبيعة منذ ولادته عام 2019، ولكن مع دخول شهره الثالث، بدأت ملامح الإعاقة تتكشف شيئاً فشيء، تقول والدة “علاء”: إن “اضطراب بالرؤية أصاب طفلها، كما أن نموه الجسدي لم يكن بالحالة الطبيعة، وحتى حجم رأسه غير مناسب لجسده”.
بعد متابعة حالة الطفل، رجح الأطباء أن يكون التشوه، نتيجة الغازات السامة الناتجة عن القذائف والصواريخ التي طالت بلدتهم “الحويز” في منطقة الغاب بريف حماة.
تؤكد والدة “علاء”، أنه “لا صلة قرابة تجمعها بزوجها، ولا يوجد أي حالة تشوه أو إعاقة في عائلتهما، واستبعد الأطباء أن يكون التشوه عائد إلى عامل وراثي”.
تخبرنا الأم أن منزلهم تعرض للقصف أكثر من مرة، ونالت القذائف قسماً منه، وفي كل مرة كانت تشعر برائحة الدخان تخترق جسدها وتتغلغل في أنفاسها.
سيكمل “علاء” عامه الثاني بعد شهرين، بعيون غير قادرة على رؤية الألوان، والأشياء بعد تدهور حالته الصحية بالفترة الأخيرة.
حالة الطفل ليست الوحيدة في سوريا، فقد وُثقت عدة حالات من الأطفال والأجنة، ولدوا بتشوهات مختلفة، منها ما هو غريب وغير مألوف بالنسبة للأطباء في المنطقة، حيث يعتقد بعضهم أن التشوهات حصلت نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية والمتفجرات التي تحتوي على عناصر من المعادن الثقيلة والوقود والمذيبات والمواد النشطة، التي أثرت على الإنسان والحيوان والبيئة معاً، من تلوث المياه الجوفية والتربة في مشاكل بيئية خطيرة.
“صفاء” مهجرة من الغوطة الشرقية، كانت إحدى الأمهات اللواتي نجت من الاختناق بغاز السارين، لكن جنينها في بطنها كان له نصيب من الموت المؤجل.
تقول في حديث خاص لمنصة SY24، إنها “وضعت الطفل بعد سبعة أشهر من قصف الكيماوي، كنت حاملاً بشهري الثاني عندما وقعت الجريمة، فولدت طفلي بتشوه في الرأس، والأطراف والأصابع، وتوفي بعد عدة ساعات”.
تذكر “صفاء” أن أكثر من 14 حالة لأطفال في الغوطة، ولدوا بتشوهات في تلك الفترة، قال الأطباء إن “السبب الرئيسي والعامل المشترك بينهم هو تعرض أحد الوالدين أو كليهما للغازات السامة”.
ما حصل مع “صفاء” وطفلها، يشابه ما حدث مع “أحلام” وهي مهجرة من خان شيخون إلى الريف الشمالي، تقول لنا: “لم أتوقع بعد ثلاث سنوات من حادثة الكيماوي، أن يمتد أثرها إلى اليوم، وأن يأتي طفلي بإعاقة جسدية، رجح الأطباء أن تكون من أثر الغازات الكيماوية التي تعرضنا لها في ذلك الوقت”.
شخص الأطباء حالة الطفل أن لديه نقص خمس فقرات من العمود الفقري، واستسقاء بالرأس وتشوهات بالوجه، وضعه الصحي سيء جداً ويتعالج الآن في مشافي تركيا.
فيما يرجع الطبيب “حسن القسوم” أخصائي أطفال في مدينة إدلب في حديث خاص لمنصة SY24، أن تكون التشوهات الحاصلة لدى الأجنة مجهولة الأسباب.
يقول لنا الطبيب، إنه “في بعض الأحيان يكون السبب لعوامل وراثية أو طفرات أو تعرض لإشعاعات أو نتيجة تناول أدوية مشوهة للأجنة أو التدخين”.
ويؤكد أن غاز السارين الذي استخدمه نظام الأسد قد يزيد نسبة التشوهات لدى الأجنة، كذلك مخلفات الأسلحة وغازات القذائف السامة.
وفق دراسة بحثية استقصائية عن أثر الغازات الكيماوية على الإنسان والبيئة، فقد حلت سوريا في المرتبة 18 بين أكثر الدول تلوثاً في العالم (من بين 92 دولة) عام 2019، وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية، إذ بلغ تركيز “الجسيمات الدقيقة” (PM2.5) ثلاثة أضعاف مستوى التعرض الموصى به من منظمة الصحة العالمية.
وذكرت الدراسة أيضاً أن “الجسيمات الدقيقة” لها تأثيراً مباشراً على الصحة العامة: فقد ازدادت تقديرات الوفيات الناجمة عن الأمراض التي يسببها تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة بنسبة 17% بين عامي 2010 و2017، بإجمالي 7,684 شخص؛ وتُشكل حالات الإعاقة الناجمة عن التعرض إلى “الجسيمات الدقيقة” 1,625 لكل 100 ألف شخص في سوريا.
اعتمد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، هذا العام في دورته العشرين، أن يكون يوم الثلاثين من تشرين الثاني، هو يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيميائية، حيث يتيح فرصة التأكيد على التزام المنظمة (منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ) في القضاء على تهديد الأسلحة الكيميائية، وتعزيز أهداف السلم والأمن