بانوراما بنكهة البارود

Facebook
WhatsApp
Telegram

حين تنوي الكتابة عن سوريا يجف الحبر ويتذبذب القلم وتتشتت الأفكار، ماذا تكتب؟ عن ماذا تكتب وقد اختلطت الأمور وتداخلت وتشابكت وصار شيئ لا يشبه نفسه ولا يشبه غيره؟ إلا الدم مازال قانياً، مازال دافقا مازال نازفاً مازال طاهراً.

سوريا

دمشق تحديداً المدن الأخرى لاحقاً أولها مدينتي دير الزور.. الفرات والجسر المعلق الذي كان معلقاً وحويجة صكر.

دمشق.. التي ما عادت دمشق
دمشق الحرائق والقذائف
دمشق الطائرات والمدافع
دمشق الانفجارات
دمشق العساكر والبواريد
دمشق النزوح
دمشق الزحام
دمشق الحواجز
دمشق الفقر والشحاذين الصغار
دمشق الغصة والوجع والآخ الكبيرة
ماذا تكتب عن دمشق!!!! ومن أين تبدأ

الأمر محير ومتعب، هل تبدأ بذلك الرجل الخمسيني الأشيب النحيل يحمل ربطات الخبز من أفران ابن العميد يومئ بها للسيارات المسرعة المتجهة إلى مساكن برزة متعجلاً جداً ولجوجا كأنه يراهن على بيع ربطاته أولاً قبل مجموعة النساء والصبايا والأطفال المصطفين على جانب الطريق حين ضربته سيارة لم يتحاشاها فاختلط خبزه بدمه، وأوقف السير ليشطف العساكر الدم ويعاود السير نشاطه، وسافر صاحب الخبز الي الله عبر مشفى ابن النفيس وأظنه ارتاح فقد كان متعباً جداً ومهموما وأشك أنه تعمد الاصطدام.

هل أبدأ بذلك المسن أم عن الطفلة الجميلة الكالحة اللون. التي تقف عند إشارة المرور تحمل خرقة وإسفنجة تمسح بها بلور السيارات. تسابق منافساتها لتحظى ببضع ليرات وقد تفتح إشارة المرور فلا تحظى إلا بخيبتها وحزن في عينيها اللتان فقدتا الكثير من براءتهما. أم عن أطفال الشوارع والحدائق يتبادلون السجائر بدل الحلوى.

وذاك الطفل الوحيد خلف الشجرة أهرع إليه وقد أشعل سيجارته الثالثة.
لماذا تدخن؟
لأن أبي استشهد!!!

أم عن الحواجز وللحواجز حديث آخر، ذل آخر.. خوف آخر، يتسرب الشباب من الحافلات ليكملوا مشاويرهم مشياً سريعاً عبر حارات ضيقة خلفية هربا من جملة باتت رعبا حقيقياً (هويات).

وللهويات قصص وروايات تجعلك تكره كل شيء، تكره مشاويرك الاضطرارية وركوب السرافيس، وللسرافيس وسائقيها حكايات بلون الدخان وإسفلت الشوارع والسماء الرصاصية الداكنة، حكايات لا تشبه حكاية العسكري الذي دخل الباص الكبير على حاجز الميسات وابتدأ كلامه بـ: “وسّع ولا حيوان”!

 

وللهويات قصص وروايات تجعلك تكره كل شيء، تكره مشاويرك الاضطرارية وركوب السرافيس، وللسرافيس وسائقيها حكايات بلون الدخان وإسفلت الشوارع والسماء الرصاصية الداكنة، حكايات لا تشبه حكاية العسكري الذي دخل الباص الكبير على حاجز الميسات وابتدأ كلامه بـ: “وسّع ولا حيوان”!

ودفش الرجال الذين أصابهم الخرس واصفرّت وجوههم، وتابع السباب والشتائم والكفر ولم يعترضه أحد، خافوا على أولادهم.. أزواجهم.. وأشياء أخرى. فتصرفات العساكر رهن بمزاجهم ليس عليهم حسيب ولا رقيب!

(واللي ما يخاف الله خاف منه) هذا ما قلته لنفسي وانصرفت للتسبيح … لا لم أقل التشبيح فللتشبيح قصص بنكهة السفالة.

دمشق ما عادت دمشق هل هو الظرف؟

أم هو الوحش القابع. خلف الجمال مرعب وجائع جدا يفتح أشداقه، يقتات الدولارات، يعد وسائله وحيله وسماسرته.

غلاء المواد التموينية.. الإيجارات.. العقارات.. الوقود.. الألبسة… المواصلات.. عن جوازات السفر حدث ولا حرج.. ينتشر السماسرة بين المكتظين على دائرة الهجرة والجوازات المتعجلين للهرب صوب بر الأمان بأي ثمن.

تسعيرة لتقديم الدور
تسعيرة للجواز المستعجل
تسعيرة لتجديد جواز المغتربين دون حضورهم
تسعيرة لاستصدار جوازات للمعتقلين واستكمال سيناريو تخريجهم من البلد!
ماذا أيضاً؟
هناك الكثير من الحزن والفساد والعفن.

مقالات ذات صلة