في وقت تلاشى فيه حلم العودة إلى المنزل، تنوعت ألوان المعاناة لدى المواطن السوري، وأصبح فصل الشتاء يشكل الهاجس الأكبر من معاناتهم، كون الغلاء الجنوني في أسعار المحروقات والحطب وعدم قدرتهم على تأمين وسائل التدفئة الآمنة والصحية، أجبر الكثير منهم للبحث عن حلول بديلة بتكاليف منخفضة، رغم قدمها وخطورتها الكبيرة على صحتهم.
وتعقيباً على ذلك، يقول الناشط “طارق الحسن” من أبناء المنطقة الشرقية“، إن “أهالي المنطقة قبل الحرب كانوا يعتمدون بشكل أساسي على مادة المازوت في التدفئة، إلا أن تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود ونقصها، اضطرهم لإيجاد بدائل عديدة توفر لهم الدفء بأقل التكاليف، حيث لم يعد بمقدور الأهالي تأمين المازوت والغاز والحطب لندرة وجودها وغلاء أثمانها “، مؤكدا أن ”المنطقة العائمة على بحر من النفط“ كما وصفها، باتت تعتمد على وسائل بدائية لم تعد تُستخدم منذ أكثر من ”نصف قرن“.
وأضاف “طارق” في حديث خاص له مع منصة SY24، أنه رغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على جميع حقول النفط والغاز الواقعة في المنطقة الشرقية، والتي تقدر نسبتها بـ70 % من مصادر البترول والطاقة في سوريا، إلا أن حال المنطقة من حيث الأزمة لا يختلف عن نظيره من باقي المناطق رغم تنوع السلطة الحاكمة فيها.
وتابع قائلاً: إن “الحصول على المحروقات من أجل التدفئة، أصبح من الرفاهيات المنسية بين الأهالي، وخاصةً بعد أن تجاوز سعر اللتر الواحد منه الـ 1000 ليرة سورية، وبذلك تقدر القيمة الإجمالية لبرميل المازوت بـ250 ألف ليرة”.
أمّا مواد التدفئة التقليدية الأخرى من الحطب الجاف وقشر الفستق والفحم أو البيرين حال توفرها، فقد أصبحت حكراً على العائلات الميسورة.
“الجلة” … خيار آخر
يستعد الكثير من الأهالي خلال فصل الصيف إلى تحويل روث الحيوانات عبر طرق بدائية ليصبح مادة قابلة للتدفئة، بينما يعتمد آخرون على مواد آخرى.
تقول “أم خلف” التي تقيم في ريف ديرالزور الشرقي: “أعمل مع ابني على تنظيف حظائر المواشي لدى أحد التجار في القرية، على أن لانتقاضى أجرنا بالكامل مقابل حصولنا على مخلفات الحيوانات، فهي غير صالحة للتداول البشري ولكنها ستكون مادة رئيسية نستخدمها بالتدفئة خلال فصل الشتاء”.
وزادت قائلة: “رغم صعوبة تجهيزها لتصبح قابلة للاستخدام، إلا إن غالبية الأهالي في القرية يعتمدون عليها في تدفئتهم، وأصبحنا نعتاش من مردودها”.
وتصف السيدة طريقة تحضيرها قائلة: “أقوم بجبل الجلة ونقعها بالماء لتصبح طرية ثم أضيف القش الجاف إليه ويتم تشكيل الخليط بعد مزجه جيداً على نحو دائري، ثم يجفف تحت أشعة الشمس ليتم تخزينه بعدها في مكان جاف منعاً لتعرضه للرطوبة”.
وفي ظروف مشابهة تقول “رقية”: “كان خيارنا هو استخدام مادة الجلة، بعد أن حالت مقدراتنا المادية دون تأمين مواد التدفئة التقليدية”، مضيفةً بأنه”رغم الأضرار الصحية المترتبة على استخدامها، إلا إنه لا خيار أمامنا غير أن نستعمل ما هو متاح لنا بالمجان لنقاوم البرد الذي لا يرحم”.
النايلون … ومخلفات البالة
لمواجهة برد الشتاء القاسي، تصبح بعض الأولويات ومنها العامل الصحيّ ترفاً، وعلى هذا النحو تقوم بعض العوائل في استعمالها مواد غير صحيّة في التدفئة، فضلاً عن الآثار المترتبة عليها من الأمراض الصدرية والتنفسية.
تعتمد “أم خالد” في تدفئة منزلها خلال الشتاء على ما تجمعه مع أولادها من مواد بلاستيكية، مؤكدة أنها تضطر وآخريات من نساء القرية إلى التأخر في تركيب المدفأة حتى لا تستنفذ بسرعة ما قاموا بجمعه من خردة قابلة للاشتعال.
إلى جانب ذلك يقول ابنها “خالد”، إن جمع النايلون وماتبقى من مواد البالة أصبح سبيل جيد للعيش، فبيع هذه المواد يأخذ حيزاً كبيراً من التصريف الآن، إضافةً إلى استعمالها بالتدفئة.
الاحتطاب … شجر الغرب والحور الفراتي
خلال السنوات الأخيرة ومع ترافق الفقر مع الجهل، وتفاقم الحاجات الاقتصادية، اضطر كثير من أهالي المنطقة الشرقية بالتوجه لقطع الأشجار للاحتطاب بغاية التدفئة، ولكن سرعان مالبث أن انتشر القطع العشوائي من قبل البعض الآخر ليصبح أحد أنواع التجارة العلنية.
وحول هذا الجانب يقول الأخصائي الزراعي “هاني الشلاش” في حديث خاص له مع منصة SY24، إن “الحوائج الممتدة على طول نهر الفرات، شكّلت ذاكرة أبناء المدينة ورئة سكانها، يصل عددها ممتدة داخل النهر وعلى أطرافه إلى 77 حويجةً نهرية، وتقدّر مساحتها بأكثر من 3300 دونم ، وتتميز بغربها الفراتي والذي سرعان مايتكاثر وينمو، لكن عمليات الاحتطاب العشوائية الأخيرة، أدت إلى نفوق الكثير من الأشجار والمساحات”.
وأضاف أنه “للأسف إذا توقفت الحرب وعدنا إلى مدينتا، لن تعود ليالي دير الزور إلى سابق عهدها، فالكثير من الحوائج دمّرت وأحرقت وهربت طيورها”.
يشار إلى إنه في وقت تتعمق فيه أزمة المحروقات لتصيب الحياة بالشلل، أصدرت الإدارة الذاتية بتاريخ 29 تشرين الثاني قرارا يقتضي بإزالة جميع “بسطات” بيع المحروقات، و“فلاتر” بيع المازوت من المناطق الواقعة تحت سيطرتها، خلال مدة أقصاها 15 يوما، تحت طائلة العقوبة والسجن، مبررة ذلك بضبطها للمراكز المخصصة والمرخصة من قبلها، وللحد من عمليات التهريب الحاصلة في المنطقة.