عاش الشعب السوري طوال العقود الخمسة المنصرمة تحت حكم نظام شمولي نجح في إقصاء كل من يعارضه بعد وصول حزب البعث إلى السلطة بقوة السلاح إثر انقلاب عسكري عام 1973.
وطوال تلك السنين كان الحزب الحاكم ينتهك المعايير والحقوق الدولية ضارباً بها عرض الحائط غير مكترث بأي منها.
يقول الكاتب والصحفي “حافظ قرقوط” في حديثه لـ SY24: “عندما استولى حزب البعث بصفته حزب شمولي بدأ بمشروع إلغاء كافة أعمال المجتمع المدني وخاصة المجتمع الذي يترتب عليه حراك سياسي، وحاصر بقية الأحزاب وزج عناصرها في السجون فضلا عن منعها من مزاولة نشاطها”.
في العام 2010 نشرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، وتضمن قائمة بها تفاصيل اعتقال 92 ناشطاً سياسياً، قالت المنظمة إنها ليست قائمة شاملة. لكن هذه الإحصائية تغيرت جذريا بعد اندلاع الحراك الشعبي في سوريا مطلع 2011، فقد وصل عدد المعتقلين في ظل الثورة السورية لما يقارب 105 آلاف بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” ناهيك عن أعداد القتلى في سجون النظام الذي وصل بحسب منظمة العفو الدولية بتقريرها الصادر عام 2017 باسم “مسلخ بشري” لحوالي 13 ألف سجين أُعدموا في سجن تابع لـ “الحكومة السورية”.
في ظل القمع الوحشي للحراك الشعبي تم تشكيل فصائل عسكرية لصد قمعية النظام واستطاع الفكر المتطرف الدخول لأواسط الشعب، مستغلاً الانفلات الأمني الحاصل، وبدأت تلك التنظيمات بنشر فكرها المتطرف وبسط نفوذها معتمدة على العواطف الدينية والنزعات الطائفية.
ويعتبر قرقوط أن: “التطرف السياسي والطائفي الذي عمل عليه حزب البعث ساهم في ظهور تنظيمات متطرفة إبان اندلاع الثورة، وأن لجوء الناس للتطرف في البداية كان نوعاً من الدفاع عن النفس بعد استخدام النظام لشتى أساليب القمع والقتل”.
وأشار قرقوط أن: “أن التطرف هو المرآة الأخرى لوجه السلطة القمعية فهو يدافع عنها وتدافع عنه بحسب المصالح”.
لم تصدر أي إحصائيات دقيقة لأعداد مقاتلي التنظيمات المصنفة على قائمة الإرهاب في سوريا، بينما تشير منظمة “سوفان” الأمريكية أن أعداد أفراد التنظيمات المتطرفة تتراوح بين 20 و30 ألف مقاتل من جنسيات مختلفة.
عملت تلك التنظيمات كـ “داعش والنصرة” على قمع الحريات وكم الأفواه المعارضة لها بأسلوب إرهابي علني وصل لفرض الإتاوات على الديانات الأخرى، وسبي النساء بحجة انتمائهن الديني، وأصبح وجود تلك التنظيمات عائقا أمام العديد من الصحفيين والوسائل الإعلامية لنقل وتغطية الأحداث.
أحد الناشطين رفض الكشف عن اسمه قال لـ SY24: إن: “التنظيمات لا تختلف عن النظام في منهجها وأنها تنتهك الحقوق المدنية لكل من يعارضها، فهي تقمع الحريات وترفض وجود أي حركات لا توافق فكرها المتطرف”.
وأضاف أن: “التنظيمات المتطرفة كـ “داعش والقاعدة” تمنع دخول أي شخص لمناطق سيطرتها قادماً من جهة النظام، وقامت في كثير من الأحيان بمصادرة ممتلكات الأفراد بحجة ذلك، في حين يعتمد النظام الأسلوب ذاته بحق من يعارضه”.
ومع كثرة القوى المتصارعة على الساحة السورية في ظل ما يتعرض له المدنيون من كبت وتقييد للحريات من مختلف الجهات يرى الصحفي “سامر الأحمد” أن: “إعادة إطلاق الحراك الثوري السلمي ضمن أهداف جديدة قد يساعد في الوصول للدولة المدنية التي طالبت فيها ثورة آذار”.
بالرغم من دخول الحرب السورية عامها الثامن ما تزال الجهات الدولية والأممية عاجزة عن محاسبة المسؤولين وعن ضع حد لما يحصل من انتهاكات بحق السوريين.
ويعتقد “الأحمد” أن سوريا متجهة لسياسة تقاسم الأقاليم بحسب توزع القوى، لكن الشباب السوري ما يزال يحلم بإقامة دولة مدنية ديمقراطية.
ثمان سنوات من الحرب خلفت أكثر من 200 ألف قتيل مدني وقرابة 13.5 مليون شخص تعرض للتشريد والتهجير القسري نتيجة العمليات العسكرية بين أطراف النزاع وسط صمت دولي فاضح لنوايا القوى العالمية.
الأمر الذي جعل القيم والمبادئ الأممية لا معنى لها عند السوريين وباتوا ينظرون تجاه القوى العالمية المتصارعة في الساحة السورية شريكاً فيما يحصل.
تم إنتاج هذه القصة الصحفية بدعم من صندوق الأمم المتحدة ومنظمة JHR الكندية (صحفيون من أجل حقوق الإنسان)