تختلف ثقافة الشعوب من دولة لأخرى وقد تتنوع هذه الثقافة في المدينة الواحدة، ويتجلى هذا التنوع في اختلاف مكونات الهوية الثقافية للإنسان من القيم والعادات والتقاليد واللغة والدين.
منذ آلاف السنين كانت التجارة بين الدول والممالك هي شريان التواصل الوحيد بين الثقافات، بينما اليوم وفي عصرنا المنفتح اجتماعياً؛ أصبح التواصل مع الثقافات المختلفة أسهل بكثير نتيجة ما قدمته لنا الثورة التكنولوجية، ولا سيما بعد ثورات الربيع العربي الذي أصبح أحد أهم أسباب التواصل بين الثقافات في عصرنا الحالي.
في سوريا تحديدا وبعد قيام ثورة الخامس عشر من آذار 2011 ضد نظام الحكم هناك ونتيجة القمع الذي تعرض له الشعب السوري؛ اضطر نحو خمسة ملايين ونصف منهم للنزوح واللجوء هربا من الدمار والحرب بحسب تقريرٍ نشرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأخذ السوريون من كل شبر على الأرض مسكناً لهم وبدأوا رحلتهم الجديدة بين الثقافات المتنوعة والمختلفة عنهم قلباً وقالباً.
الصحفية آلاء صبرا، وهي إحدى اللاجئات في تركيا قالت في حديثٍ لـ SY24 إن: “ثقافة الأتراك وطريقة حياتهم مختلفة عنا تماماً، الاختلاف كان مخيفاً نوعاً ما بالنسبة لي في بداية غربتي، وعائقاً لفترة كبيرة، إلا أنه اليوم لم يعد مشكلة، فقد تنوعت العلاقات الاجتماعية بين السوريين والأتراك، وأصبحوا يتشاركون الكثير من ثقافة بعضهم البعض”.
قد يسهل على السوريين المقيمين في تركيا بناء علاقات اجتماعية مع المواطنين الأتراك، لكن بالمقابل وجد الكثير من السوريين المقيمين في أوروبا صعوبات في بناء علاقات اجتماعية مع الوسط المحيط بسبب الاختلاف الكبير بين ثقافات الشعوب في الدول المضيفة، كحال السيدة “نيفين مكسور” التي تقيم كلاجئة سوريّة في ألمانيا، حيث قالت لـ SY24: “نتردد كثيراً في بناء علاقة مع الألمان، وننتظر المبادرة منهم، وذلك بسبب الاختلاف الكبير بين ثقافتنا وثقافتهم، فمجرد نشوء علاقة صغيرة مع الناس هنا حتى لو كانت هذه العلاقة عبارة عن سلام عابر هي إنجاز حقيقي، وذلك لأن طبيعة الناس هنا عملية جداً”.
بدوره اعتبر الحقوقي “ياسر خليفة” الذي لجأ إلى ألمانيا قائلاً: “الكثير من اللاجئين يضطرون بسبب عدم إتقانهم للغة البلد الذي يقيمون فيها، إلى الانغلاق على أنفسهم في مجتمعات وجماعات صغيرة، لهم أسواقهم ولهم نواديهم واجتماعاتهم البعيدة عن المجتمع المضيف، وهذا يزعج المجتمعات المضيفة”.
في الطرف المقابل كان للتنوع الثقافي أثراً كبيراً في تنمية حياة الكثير من السوريين في دول اللجوء بمختلف مجالات الحياة، فمنهم من استثمر هذا التنوع لتحقيق نجاح كبير، كاللاجئة السورية ملكة جزماتي التي اختيرت كـ طاهية لكبار ضيوف مهرجان برلين السينمائي، والطفل نجيب ورد الذي تفوق باللغة الألمانية على الألمان أنفسهم وغيرهم الكثير”.
أما الصحفي “نورس يكن” الذي يقيم في فرنسا كان له رأياً إيجابياً بالنسبة للجوء، حيث قال في حديثه لـ SY24: “إننا في وضع إيجابي جداً للتعرف على كمٍ لا ينتهي من الشعوب والثقافات، ما يساعد على جعل المجتمع السوري أكثر تفتحاً”.
يعتبر التنوع الثقافي أحد أهم المصادر للتنمية البشرية ووسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وذلك ما أكده الإعلان العالمي للتنوع الثقافي بمادته الثالثة.
ومن جانب آخر كان للتنوع الثقافي جوانب سلبية على كثير من السوريين حيث وثقت عدة تقارير صحفية اعتداءات على اللاجئين السوريين وغيرهم في دول اللجوء، وكان أحد أهم أسبابها هو الاختلاف الثقافي.
ويختتم السيد “صفوان قسام” مختص في علم الاجتماع قائلاً لـ SY24: “إن التنوع الثقافي غالباً له أثر إيجابي داخل المجتمع ولكن إذا تم ضمن ظروف طبيعية، السوريون وبسبب أن الظروف كانت غير طبيعية للجوئهم انقسموا إلى قسمين ضمن المجتمع”.
وتابع قائلاً: “الأول: ذكي وطموح وقادر على التكيف واستطاع تحقيق نجاحات كثيرة في المجال الاقتصادي وغيره، والثاني غير منضبط، ويجد صعوبة كثيرة في التكيف ويرتكب مخالفات لقانون البلد المضيف، وكان لتصرفاته هذه انعكاس سلبي على السوريين بشكل عام”.
على الرغم من اختلاف الثقافات وتنوعها يبقى الإنسان هو المحور الحقيقي لأي ثقافة على هذه الأرض والانتماء إلى الإنسانية هو صلة الوصل بين جميع الثقافات والسلطة الضاربة لوأد جميع النعرات العرقية والدينية بين أبناء المجتمع الواحد وهو الطريق الوحيد لبناء مجتمع قوي متماسك.
تم إنتاج هذه المادة بدعم من منظمة “صحفيون من أجل حقوق الإنسان
الكندية وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية JHR.