يعمل النظام السوري وماكيناته الإعلامية والمخابراتية بين الحين والآخر على تسريب كتب رسمية أو برقيات من قيادة جيش النظام، منها تشكيل “الفيلق الخامس”، يضاف إلى ذلك الكتاب الذي يتم تداوله حاليا عن توجيه النظام لوحداته العسكرية بتصعيد العمل النفسي ضد معارضيه.
وفي هذا الصدد قال النقيب “رشيد حوراني” الباحث ومدير المكتب الاعلامي لـ “حركة تحرير الوطن”، وأحد المنشقين عن جهاز الحرب النفسية التابعة للنظام، إن غالبية الكتب التي تصدر عن وزارة الدفاع التابعة لنظام الأسد، تحمل في ترويستها عبارة (القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة).
وأضاف “حوراني” في لقاء خاص لـ SY24، أن “هذه القيادة في الحقيقة مؤلفة من مجموعة من الإدارات ذات الاختصاص التي تدير بها وحدات جيش النظام، منها “الإدارة السياسية” التي تسمى في الدول الأخرى إدارة الشؤون المعنوية والنفسية، وسميت الإدارة السياسية في سورية لأنها تقوم على زرع عقيدة حزب البعث في نفوس المقاتلين، وتتكون من مجموعه من الأفرع والأقسام التي توجه العمل النفسي والإعلامي، الموجه لمقاتلي هذا الجيش والموجه لمن هو خارج الجيش”.
وتابع “حوراني قائلاً إن: “من يدير العمل في الإدارة السياسية هم مجموعة من الضباط الجامعيين من اختصاصات (علم النفس والتاريخ واللغة العربية والصحافة والعلوم السياسية)، ومن الضباط خريجي الكليات العسكرية الذين يتبعون دورات في الحرب النفسية والدعاية الخاصة والدعاية المضادة في الأكاديميات العسكرية الروسية، حيث لروسيا ميدان بارع في هذا المجال اكتسبته منذ الحقبة السوفيتية”.
وفي رد منه على سؤال حول الجهات التي تقف وراء الحرب الإعلامية التي يشنها النظام على الثوار والحاضنة المدنية أجاب “حوراني” بأن “إيران سارعت ومنذ بداية الثورة نظرًا للخوف الذي ساورها من الثورة السورية إلى إرسال مجموعة من الضباط الإيرانيين المختصين في هذا المجال، وأخضع يومها ضباط الحرب النفسية التابعين للنظام (الإدارة السياسية) لدورات على يد هؤلاء”.
وأضاف قائلًا: “إن الموجه الحقيقي للحرب النفسية التي نشهد صورها حالياً وكان آخرها في الغوطة الشرقية مؤخرا في سوريا هي روسيا، فضباط النظام رغم اتباعهم دورات وحصولهم على درجات علمية كالدكتوراه من الأكاديميات الروسية، إلا أنهم لا يملكون الكفاءة والمهارة في تخطيط وتنفيذ الحرب النفسية وعملياتها بما يتناسب الزمان والمكان المستهدف من الحرب النفسية”.
وتحدث الضابط المنشق “حوراني” عن مجموعة من الأهداف التي سعى إليها رأس النظام بشار الأسد من خلال حربه النفسية والإعلامية، ومن أبرزها تشويه الثورة السورية وأحقية مطالبها في التغيير من خلال وسمها بالإرهاب تارة والتطرف تارة وغياب الأخلاق كدعاية جهاد النكاح التي ابتدعها، يضاف إلى ذلك سعيه لاستهداف منطقة بعينها بقصد
زرع بذور الفتنة وشق الصف فيها، ومثالها التعميم الذي تداوله النشطاء خلال الأيام الماضية، حيث التعميم موجه للمناطق المحررة وأن النظام يعد العدة لها ويحمل في طياته دعوة مواليه للاستمرار في عملهم الدعائي الذي يهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للثوار والمدنيين في المناطق المحررة”.
ورأى “حوراني” أن النظام أراد من “التعميم الأخير” أن يمارس الحرب النفسية لمواليه من خلال الثناء على جهودهم فيما قدموه من مؤازرة للجيش خلال حملته على الغوطة وهو بذلك يقدم لهم تعزيز كالطعام الذي يقدم للكلب في تجربة “بافلوف” على حد وصفه.
وضربَ “حوراني” عددًا من الأمثلة والنماذج عن الحرب النفسية للنظام ضد الثورة وقال: “عَملَ نظام الأسد قبل الثورة ونخبه السياسية على مبدأ الإيهام، فأوهم المواطنين بالدولة الوطنية والمقاومة والجيش العقائدي والمؤسسات والنقابات والواقع عكس ذلك تماما؛ وهذه صورة من الحرب النفسية.
وأضاف حوراني: “خلال الثورة نستطيع القول إن المقابلات الصحفية لرأس النظام نظرًا لاعتماد الحرب النفسية الموجهة بكافة أشكالها على مكانة الجهة وأهميتها (مؤسسةً أو شخصًا) التي تصدر عنها مضمون المادة”.
وتابع حوراني: “فقد حرص الفريق الإعلامي للنظام على تأمين إطلالات إعلامية مستمرة لرأس النظام بشار الأسد من خلال اختراقه للإعلام العالمي عبر صحافيين وإعلاميين في وسائل إعلام كبرى، حتى بلغت أكثر من 72 مقابلة إعلامية، منها 56 % لإعلام يتبع لأمريكا وأوربا الغربية، و44 % لإعلام صديق تحدث فيها بشار الأسد باللغة الانكليزية ليخاطب الجمهور الغربي، مُركزًا خلال حديثه على أن الأزمة في سورية تحل فقط بمكافحة الإرهاب”.
ولفت في السياق ذاته، إلى أنه وفي (تموز من العام 2016) وعلى الرغم من أن حركة نور الدين الزنكي التابعة للجيش الحر استنكرت ما تم بثه في تسجيل مصور يُظهر أفراداً تابعين لها وهم يقطعون رأس طفل بمدينة حلب يدعى (عبد الله عيسى) بحجة قتاله بصفوف مليشيات تابعة للنظام، وأكدت أنها ستحاسب الفاعلين. إلا أنه وعلى الرغم من كون القضية أصبحت مسألة رأي عام أنشأ النظام حساباً على “الفيس بوك” باسم “Loly alamora” نشر أن القتيل متطوع ورامي رشاش وأن النظام يسلبه حقه بهذه الفبركة الإعلامية حوله”.
وأوضح حوراني: “قصد النظام من وراء ذلك شن حملة منظمة ضد مؤسسة الجيش الحر، التي لاقت قبولاً عند السوريين كافة، وإلصاق صفة الإرهاب به من خلال اتهام أحد فصائله بها، كما عمل على استثمار شعبية مسلسل “باب الحارة” وسخر كافة الأعمال الدرامية كبقعة ضوءومسلسل بانتظار الياسمين، لتوجيه رسائل مبطنة تؤيد روايته في وجه الثورة وتلمع صورته رغم ما ارتكبه من فظاعات في حق شعبه”.
وحول الحرب النفسية التي مارسها نظام الأسد على المدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية وعلاقة ذلك بالتصعيد العسكري على الغوطة، أوضح “حوراني” أن “النظام وحليفه الروسي استخدما كافة صور وأساليب الحرب النفسية من نشر للشائعات لإضعاف الروح المعنوية، والتهديد باستخدام القوة، وبث الذعر والضغط النفسي، واستخدام الكلمة المسموعة والمقروءة (المناشير الورقية) لتحقيق التشتت والفرقة وزعزعة الثقة بالهدف المنشود”.
وأضاف في ذات السياق، أن “تلفزيون النظام السور
ي وعلى سبيل المثال بثّ في كانون الثاني من العام 2017 تقريرًاً عن اجتماع شارك فيه وجهاء من دوما، ومسؤولون حكوميون، ورجال دين سنّة، وضباط روس في دمشق ناشد فيه علاء ابراهيم محافظ دمشق الحاضرين إقناع المتمردين في الغوطة الشرقية بـ “الاستفادة من مرسوم العفو الرقم 15/2016، والمبادرة، بموجب ضمانات روسية، إلى إبعاد المسلحين الذين لا يرغبون في المصالحة” وبالتالي “تحرير المدنيين في دوما”.
وفي تفسير حوراني لهذا الأمر قال: “في حقيقة الأمر فإن هذه المفاوضات كانت سرية تم الكشف عنها في (السابع من تشرين الأول من العام 2016) تشكلت لجنتها من أشخاص من دوما مقيمون في دمشق رفض خلالها المجتمعون بهم من دوما (رئيس مجلس الأمناء – رئيس المجلس المحلي في دوما) أي حديث أو هدنة عن دوما وحدها باعتبارها جزء لا يتجزأ من الغوطة الشرقية، والهدف منها العمل على الاستفراد بكل منطقة على حدى، وقسم الحاضنة الشعبية بين مؤيد ومعارض للتفاوض مع النظام”.
وأيضا في مطلع (شباط من العام 2017)، بحسب “حوراني”، “رفع الأسد وحلفاؤه الروس سقف الرهانات عبر الإعلان بأن معبر مخيم الوافدين على مقربة من دوما، وسيتم فتحه لاستقبال المدنيين الذين تمنعهم الفصائل المسلحة من الخروج، والهدف من ذلك بث التناحر والفرقة في المجتمع الواحد، وخلق اتجاهات وتيارات متضاربة”.
ورأى “حوراني” أن “نظام الأسد يستهدف في حربه النفسية “الحاضنة الشعبية” لأنها الأكثر من ناحية العدد والتأثير، ودليل ذلك أن النظام يعمل على تصعيد عملياته العسكرية الأمر الذي يؤدي إلى زيادة في نسبة النازحين وأصحاب الاحتياجات الإنسانية، وبالتالي يلقي هؤلاء المتضررين من الأعمال العسكرية باللوم على الثوار الذين يقارعون النظام”.
في مقابل ذلك، اعتبر “حوراني” أن النظام “نجح في حربه النفسية “مرحليًا” أي في حربه الإعلامية والنفسية التي شنها على الغوطة نجح، لكنه استراتيجيا لم ينجح ولم يحقق مراده في عدم الاعتراف بالثورة من قبل العالم”.
وفي رد منه على سؤال حول مصير من انصاع لحرب النظام ا
لنفسية أجاب المصدر ذاته: “نستطيع بكل يسر أن نقول لهم انظروا إلى مصير الشباب والنساء الذين وثقوا بالنظام في الغوطة الشرقية، فقد تم وضعهم في مراكز إيواء هي أشبه بمعتقلات النازيين”.
وختم حوراني حديثه بأنه من الضروري على المعارضة وضع خطة استراتيجية وفق مراحل زمنية دقيقة، لمواجهة ماكينة النظام وحربه النفسية، وأن تضع نصب عينيها مسألة النهوض بالمجتمع المحلي فكرياً وسياسياً وثقافيا واجتماعياً ودينياً، لتستطيع من خلال ذلك التأثير في الرأي العام الدولي.