لم تستطع “سندس الجاسم” وهي أم لطفلين في سن الروضة تسجيل أبنائها في رياض الأطفال، مثلها مثل الكثيرين من الذين لديهن أطفال بهذا السن، فمن دون سابق إنذار ومع بداية العام الدراسي رفعت الروضات المدارس الخاصة أقساطها لما يزيد عن الضعف مقارنة مع العام الماضي، مع ملاحظة وجود اختلاف الرسوم المتوجب دفعها من قبل الأهالي.
تدني الوضع الاقتصادي في البلاد والذي رافقه ارتفاع في الأسعار التي تفرضها الروضات، جعلت معظم الأهالي يعزفون عن تسجيل أبنائهم فيها، واتجه غالبيتهم إلى تعليم أطفالهم ذاتياً في المنزل، إضافة لتقديم نشاطات بسيطة لهم، مفضلين تأمين مستلزمات المنزل من غذاء ولباس على تسجيل أبنائهم فيها.
تقول “سندس”: إن “أرقام فلكية تضع العقل بالكف بدأت من 600 ألف ليرة لتصل في بعض المناطق إلى ما يزيد على مليون ليرة، وتجاوز هذا الرقم في الأحياء الراقية كما تصفها الأسعار اختلفت بحسب مكان الروضة ومساحتها والمقاعد المتوفرة فيها ووسائل النقل، إضافة إلى وسائل الترفيه والخدمات التي تقدمها للأطفال”.
وفي هذا الصدد تقول الأخصائية الاجتماعية “ديمه ملا حويش” في حديث خاص لها مع منصة SY24: “لم ينج حتى الأطفال من أزمة الغلاء المعيشي التي تمر بها البلاد والتي انعكست بشكل مباشر عليهم من خلال فشل معظم الأهالي في تسجيل أبنائهم في رياض الأطفال، وذلك بسبب التكاليف العالية التي يطلبها أصحاب هذه الروضات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المستلزمات التعليمية”.
وزادت قائلة: “تضطر معظم الأمهات العاملات لوضع أطفالهن في الروضات أثناء تواجدهن في العمل، إذ يعاني السوريون في جميع المناطق وبالأخص الواقعة تحت سيطرة النظام من أزمة اقتصادية حادة، فلا يتناسب الراتب الذي يتقاضاه الشخص مع مصاريف معيشته”.
“جنة الأطفال منازلهم” عبارة باتت تتردد على ألسنة كثير من العائلات السورية، بعد ارتفاع أقساط التسجيل في الروضات ووصولها إلى أرقام خيالية بالنسبة للموظف السوري، الذي لا يتعدى راتبه وسطيًا 80 ألف ليرة سورية أي بمعدل 25 دولار أمريكي شهرياً.
تقول أم إبراهيم وهي موظفة: “اسجل ابني في روضة خاصة قسطها السنوي 700 ألف ليرة سورية، وأتحمّل هذا المبلغ الكبير أنا وزوجي ندفعه ضمن أقساط شهرية، إضافة إلى مصاريف البيت الأخرى مثل فواتير والأدوية وطعام وشراب، إضافةً لأقساط الدروس الخصوصية لأبنتي في المرحلة الإعدادية، نحن في دوامة حقيقية وبصراحة راتبي وراتب زوجي لايتجاوز 180 ألف مؤخراً، وهذا ما يضطرنا للبحث بشكل دائم عن عمل إضافي بعد الظهر حتى نؤمن هذه المصاريف التي باتت تفوق طاقتنا على الاحتمال”.
وأضافت بأنه، ولوقتٍ قريب كانت معظم العوائل في سوريا يتجهن إلى تسجيل أبنائهم في رياض الأطفال التابعة لـ “الاتحاد النسائي” بسبب رسومه الرمزية مقارنةً بالروضات الخاصة، إلا أنه بعد إصدار النظام مرسوماً بحل الاتحاد في نيسان 2017، أغلقت جميع هذه الروضات التابعة له.
تخوض غالبية العائلات السورية ما يشبه المعركة لتأمين احتياجات أبنائها من مستلزمات المدرسية خلال العام الدراسي، بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار إلى مستويات تفوق القدرة الشرائية بأضعاف.
تقول المعلمه “نوال الحسو”، إن “الأسعار خيالية وأقساط الروضات فوق إمكاناتنا المادية ، أكثرنا بات عاجز عن شراء المستلزمات المدرسية، وخصوصاً اللباس المدرسي، اذكر إنني وبعض من المعارف حاولنا تأخير شرائه إلى ما بعد افتتاح المدارس على أمل تهاود في الأسعار”.
وأشارت إلى أن “بعض العائلات تقوم باستعارة اللباس المدرسي والحقائب لأبنائها من المعارف والأقارب، ولفتت كذلك إلى أن البعض يعتمد في تأمين المستلزمات المدرسية على المنظمات، ومنها منظمة اليونيسيف التي توزع الحقائب بشكل شبه دائم، مضيفةً بأن راتبها الذي لا يتجاوز الـ80 ألف ليرة سورية، لم يعد يكفي لشراء القرطاسية لطفل واحد”.
على رغم من ارتفاع الأقساط، يصر معظم السوريين على تعليم أبنائهم خوفًا على مستقبلهم، وخاصة بعد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تتحدث عن تسرب مئات الآلاف من الطلاب من المدارس في سوريا، وهذا ما ينذر بكارثة مستقبلية تهدد جيلًا كاملًا بالضياع.
وتعقيباً على ذلك يقول الباحث في الشأن الاقتصادي السوري “ياسر السيد” في حديث خاص له مع منصة SY24، إن “معظم السكان في مناطق النظام، يعانون من أزمة اقتصادية حادة، فلا يتناسب الراتب الذي تفرضه حكومة نظام الأسد مع مصاريف المعيشة والتي باتت متساويه لجميع الطبقات في المجتمع ، مؤكداً على أن نحو 92% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع ، بحيث لا يتجاوز دخل الفرد اليومي أكثر من 1.50 دولار أمريكي ، إضافة لإنعدام شبه تام للطبقة المتوسطة والتي كانت تشكل أكثر من 50% من البنية المجتمعيه في سوريا”.
وأشار إلى أن “تكاليف الغذاء الأساسية للأسرة ارتفعت بنسبة 40% عن بداية العام الحالي، أي أن تكاليف معيشة أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص ارتفعت لتصل إلى مليون و240 ألف ليرة سورية”.