كان العام 2021 مثقلا بالانكسارات والهموم في سوريا، ومليئا بالأزمات والمشاكل، وتنتهي ساعاته الأخيرة بالكثير من الأمنيات الخالية من الأزمات والجوع والمرض.
بينما تعم الاحتفالات بين الناس في بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، تظهر صورة آخره معاكسه لسابقتها في نفس المنطقة لترصد الواقع الحقيقي للناس بعيداً عن عيون “مخابرات الأسد” لتبرز يومياتهم من المعاناة الدائمة في طوابير الخبز والمحروقات وبعض المواد الغذائية.
وفي هذا الصدد يقول “طارق الأسعد” الباحث في الشأن الاقتصادي، إن “ارتفاع قيمة الدولار وتدني الليرة، وأزمة فيروس كورونا، أثقل كاهل الناس في سوريا، فقد تفاقمت الأزمة المالية خلال هذا العام وانعكست بشكل خطير على مختلف السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، إضافةً لفقدان معظمها من السوق ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد فتدني الوضع المعيشي يرافقه انعدام الدخل لدى غالبية الأسر أدى إلى ظهور حالات كثيرة من التسول وعمالة الأطفال التي غدت معضلة كبيرة تعاني منها جميع المناطق في سورية”.
وبينما تمتلئ رفوف المتاجر بالهدايا ومكونات الاحتفال والزينة الواضحة للعيان، يبقى الإقبال على المنتجات الخاصة باحتفالية رأس السنة الميلادية ضعيف جداً مقارنة بالأعوام السابقة، ويرجع جميع الأهالي هذا الأمر إلى غلاء في الأسعار والعجز الذي أعاق الأسر عن تحمل تكاليف الشراء.
تقول “أم ضياء” رغم الطابع الديني المحافظ الذي يغلب على مجتمع مدينة “دير الزور”، إلا أن طقوس التجهيز والاحتفال بهذه الأعياد لا تقل ثقلاً عن باقي المناسبات الدينية، ولا يقتصر الاحتفال على طائفه محددة بل تشارك فيه جميع المكونات الآخرة.
وتضيف مستذكرة أيامًا خلت، “في البداية يجتمعن النسوة في بيت أحد الأقارب ممن فُقد أحد من عائلتهم خلال العام كنوع من جبر الخاطر والمواساة، ونجتمع بعدها في بيت الجد حول سفرة فارهة، موضحةً بأن لكل عيد مأكولات وحلويات متوارثة خاصة به نتنافس على تحضيرها، لكن الطحين والسمن والسكر وباقي المكونات أصبحت باهظة ومن رفاهية الحياة في أيامنا هذه، ناهيك عن عدم توفرها بشكل كافً في الأسواقٍ”.
أمَا “أم إلياس” نازحة من دير الزور ومقيمة في مدينة الحسكة فتقول: “أصبحت شجرة الميلاد رفاهية بنظر البعض، بعد اقتناعهم بفكرة أنه لا ضرورة لإقامتها، خصوصًا مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة”.
وزادت قائلة: “بسبب الظروف الصعبة التي نعيشها، عزف أغلب الناس عن شرائها، ففي العام الماضي ركبت شجرة الميلاد، لكن انقطاع التيار الكهربائي أفقدها بريقها، فالكهرباء نادرًا ما تأتي حيث يتواصل انقطاع التيار منذ سنوات لساعات طويلة والأمبيرات تأتينا متقطعة بأيام الأعياد بسبب إنارة الشوارع والأسواق”.
وأشارت خلال حديثها إلى “اقتصار الاحتفال بهذا العام على أداء الصلوات والقداس في الكنيسة دون أي مظاهر آخره بسبب التكاليف المرتفعة، فشجرة الميلاد والزينة البسيطة لا تقل تكلفتها عن 600 ألف ليرة، مضيفةً إلى أن “دفع إيجار المنزل أولى”.
وختمت السيدة حديثها، بأن “فرحة العيد تكتمل بإجتماع الأهل والأحبة لكننا اليوم بتنا كل منا تحت نجمة”. على حد تعبيرها.
تعتمد نسبة كبيرة من العوائل في سوريا على أبنائهم من المغتربين في سداد تكاليف معيشتهم، إلا أن تأثيرات التضخم وسعر الصرف انعكس بشكل مباشر على ارتفاع الأسعار.
يقول “أبو زهراب” رغم تلقينا حوالة مالية من أبنائي المقيمين في أوروبا تضمنت كامل تكاليف طقوس الميلاد، إلا إنني وزوجتي فضلنا توزيع بعض المبالغ من قيمتها على العوائل الفقيرة والمحتاجة في المنطقة لإضفاء بهجة أمل قدوم العام الجديد على وجوه أطفالهم.
تزامنت نهاية عام 2021 مع ارتفاعً في الأسعار وشح في المواد الأساسية لا سيما في مادتي السكر والزيت في مناطق شمالي شرق سوريا، مما أدى إلى ظهور طوابير أمام المؤسسات التابعة للسلطات المحلية للحصول على المواد بأسعار مدعومة.
وحول هذا الجانب يقول “أحمد الهويدي”، مالك لمحل حلويات وسكاكر في مدينة الرقة، “بدأنا بأزمة الغاز التي لم تنتهِ حتى اللحظة ونعيش اليوم أزمة السكّر، نضطر أمام ارتفاع السلع وانخفاض كمية المعروض منها إلى رفع أسعار الحلويات، لكن الطلب سيقل بشكل كبير ولن يفهم العميل أن السكّر قد أثر على كمية الإنتاج وسعره، مضيفاً خسائرنا تتزايد مع تزايد الأزمات و(قسد) لا تحرّك ساكناً”.
وفي نفس السياق تقول “سارة شلاش”، إن أفضل الحلويات المنزلية الصنع في هذه المناسبات حتى إنني اتنافس مع صديقاتي في هذا اليوم من العام على زينة أجمل “قالب كيك” وطريقة التزين التي نظهر بها إنتهاء العام وبداية آخر، إلا أن فقدان المواد في الأسواق، إضافةً لارتفاع أسعارها منعنا من ذلك.
وأشارت في حديثها إلى أن “تكلفة قالب من الكيك بدون المبالغة في تزينه أو إضافة أي نوع من المنكهات الآخرة له تجاوزت اليوم 35 ألف ليرة سوريا، وأن القطعة الواحدة منه المعدة لشخص واحد في سوق تجاوزت الـ 5000 ليرة، وهذا ما جعل الكثير من الأهالي يعزفون عن فكرة الاحتفال بهذا العام رغم الاستقرار الأمني في المنطقة.”
أمًَا “أبو إبراهيم” فيرى أن ليلة رأس السنة لا تكتمل من غير شواء اللحم وبجانبه صحن من التبولة، إلا أن هذا العام لا يبدو أنه سيزين موائدنا مع أسعاره المرتفعة، في مناطق الواقعة تحت سيطرة النظام حيث تجاوز سعر الكيلو الواحد 32 ألف ليرة سوريا وهذا يعادل نصف راتبي تقريباً.
وأضاف في تعليقه على الموضوع، “نسينا طعم اللحم كيلو رقاب دجاج ما عاد فينا نجيب لنفكر باللحمة والشحمة”
وتابع قائلاً: اكتفينا بالتجهيز لسهرة هذا العام بشراء القليل من “بزر الأرامل وفستق العبيد” على حد تعبيره، وأكّد من خلال حديثه بأن جميع الأيام والليالي في سوريا باتت متشابهة في سهرتها، لكننا نشتري بعض المكسرات الرخيصة الثمن لكسر الملل الذي يصيبنا في ليالي الشتاء الطويلة مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي.
ومع نهاية عام وبداية آخر تتعدد هموم وأزمات السوريين بحسب اختلاف قرارات السلطة الحاكمة في كل منطقة، لتعود وتلتقي بالوضع الاقتصادي المتردي وأزمات معيشية كبيرة، في ظل فقدان الليرة السورية لقيمتها أمام الدولار وضعف القوة الشرائية لأدنى مستوى، وارتفاع أسعار كل السلع ليبقى المواطن السوري الحلقة الأضعف في الأمنيات الجديدة للسنوات القادمة وتبقى الأعياد بهجة تطل على استحياء.