لا يبدو أن هناك نهاية واضحة لمختلف الأزمات في مناطق النظام السوري وإن اختلفت السيناريوهات، فقد أصبح المواطن يطالب بأبسط مقومات العيش الكريم في وقت حرم فيه من الخدمات الأساسية، لتتعدد الطوابير البشرية وتتنوع تبعاً للاختلاف في الزمان والمكان.
الناشط “معن الأحمد” قال في حديث خاص مع منصة SY24، إن “مشهد اصطفاف الأهالي في طوابير أمام محطات الوقود في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، يتكرر يوميا، بسبب بيعها لمادتي البنزين والمازوت بكميات قليلة، في الوقت الذي تقفل فيه باقي المحطات أبوابها أمام المواطن، جراء نفاذ المحروقات لديها على حد تعبير أصحابها”.
وتابع قائلاً: إن “معاناة السائقين في تعبئة المحروقات لا تنحصر بالأحياء الواقعة في مدينة ديرالزور فحسب بل تجاوزتها لتمتد إلى باقي المناطق من المحافظة، وتفاقمت هذه الظاهرة مع إغلاق المعابر النهرية، ناهيك عن الهجمات المتكررة لتنظيم داعش، إضافةً لفرض الإتاوات على عبور صهاريج المحروقات من بعض المناطق، ويأتي كل ذلك بالتزامن مع تصاعد الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد عامةً”.
الحركة مشلولة تماماً وعلينا الانتظار لساعات للركوب وقوفاً وفوق بعضنا البعض بحافلات النقل العامة والتي مازال عددها محدود رغم الاستقرار النسبي في المنطقة، بذلك يصف “حسن” المشهد الذي يضطره صباح كل يوم للوقوف ضمن “طابور الانتظار” في أحد الشوارع الرئيسية في مدينة “الميادين” للذهاب إلى جامعته في منطقة “عياش”.
يقول “حسن”: إن “المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام تعيش أزمة مواصلات دائمة، ويرجع السبب في ذلك إلى النقص الحاد في المحروقات لدى محطات الوقود، وما تبعه من تخفيض في عدد الحافلات العامة التابعة للبلدية، والتي تعتبر أرخص من السرافيس الخاصة وسيارات الأجرة بالنسبة للكثير منا”، ويؤكد أن “الناس لا يقفون في الطوابير للحصول على الخبز فقط، بل للذهاب إلى العمل والجامعة أيضا”.
وبسبب العجز الاقتصادي الذي يعاني منه النظام السوري، تعمل حكومته على إدارة أسعار المواد المدعومة عن طريق زيادة الأسعار ورفع الدعم وتخفيض عدد الحصص الموزعه على المواطنين، ومع الفوضى الحاصلة في قطاع النقل، فُتح الباب لعمل سيارات الأجرة، والتي رفعت أجورها بسبب عدم توفر الوقود المدعوم وحاجة أصحابها إلى التزود به من السوق السوداء.
يقول “أبو جواد” سائق سيارة أجرة، إن “السيارات العمومية ممنوعة من التزود من محطات الوقود إلا بقدر محدد شهرياً، ما يجبر السائقين على التزود من السوق السوداء، لأن مخصصات البطاقة الذكية لا تكفي وهذا ما يجبرنا على رفع سعر التوصيلة لتتجاوز 2000 ليرة بين الأحياء الداخلية أحياناً كثيرة”.
وأشار إلى أن “مخصصات سيارات الأجرة تبلغ 40 ليترًا أسبوعياً، بسعر 2500 ليرة لليتر الواحد، وفقاً لما حددته وزارة التجارة الداخلية مع نهاية العام الفائت”، مضيفاً أن “سعر ليتر البنزين في السوق السوداء تجاوز 5 آلاف ليرة سورية في بعض الأحيان”.
تعاني سوريا من أزمة حادة بالمحروقات بعد خروج غالبية حقول النفط والغاز في شمال وشرق سوريا التي تسيطر عليها قوات “قسد” عن الخدمة، ارتفع سعر المحروقات والذي يرافقه زيادة في تكلفة النقل وكافة الأعمال التي تعتمد عليها، وهذا ما اضطر الكثير من المواطنين للسعي لإيجاد حلول تتناسب مع مأساة الواقع الحالي.
“أبو عدنان” أحد الأشخاص الداعمين لمشروع “التوك توك” والذي يعمل بالطاقة الكهربائية كخدمة تكسي في مدينة دير الزور، يقول: “تحولت عربات التوك توك صغيرة الحجم في غالبية المحافظات السورية إلى مصدر رزق للعائلات في ظل الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على الوقود والمحروقات، فإلى جانب نجاعتها كوسيلة نقل تعتمد على الكهرباء ولا تعلق في الازدحام تتميز بأنها توفر لبعض مالكيها فضاء تجارياً متنقلاً، وقد روج لها النظام خلال العام الفائت على إنها مصنعه بحلب إلا أن إرتفاع سعرها والذي يتجاوز 1900 دولار أي مايقارب 7 مليون ليرة سوريا لم يشجع الكثير منا على اقتنائها، إضافةً لصيانتها السنوية والتي تتجاوز 400 دولار كونها تعمل على الكهرباء”.
وأشار إلى أن هذه الوسيلة كانت منتشرة سابقاً في ديرالزور باسم عربة الفقراء أو “الطرطيرة”، إلا إنها كانت تعمل على الوقود والكثير من أهالي المدينة لا يفضلون ركوبها، لكن اليوم ومع التطور التكنولوجي لها بات وجودها مشهد مألوف في غالبية المدن السورية، كما أن تدهور الظروف الاقتصادية في البلد فرضتها بقوة، فتحولت إلى خط دفاع “معيشي” ومصدر رزق.
وتابع “أبو عدنان”: “كنت أعمل ومازلت في مهنة طلاء الجدران والديكورات، وهي مهنة متعبة وشاقة، ولكن غير متاحة في كل وقت، لهذا كان التوك توك هو البديل الذي يحقق توازناً واستقراراً في حياتي من الناحية الاقتصادية”، مبيناً أن “العمل على التوك توك ممتع ومرغوب حالياً من قبل الناس، إذ أن الأجر المعتمد على أساس التوصيلة 500 ليرة، وذلك للتنقل بين أحياء المدينة، ما يعني أن التكتك يعمل بثلث الأجر المعتمد لدى سيارة الأجرة التكسي، وهذا يوفّر على الراكب ويصب في مصلحته”.
وختم حديثه قائلًا: “أنوي إجراء تعديل على تصنيعه وإضافة لوحاً للطاقة الشمسية على سقفه، لضمان إمكانية شحنه بشكل مستمر في ظل أزمة الكهرباء التي تعيشها البلاد”.
ومع استمرار الأزمات التي تتفاقم يوما بعد يوم في مناطق النظام السوري وسط غياب أي حلول تلوح في الأفق، بات المواطن مضطرًا للجوء إلى الاعتماد على وسائل وأدوات قد تكون بدائية سواء في أزمة المحروقات أو المواصلات أو غيرها من الأزمات، بغية التغلب على التحديات والظروف المعيشية والاقتصادية المتردية.