لنحو 45 دقيقة مشياً على الأقدام، حاملاً على كتفيه طفلتيه التوأم “عيدة وعائدة”، التي قال عنهما والدهما إن “اسمهما كان فالاً حسناً عليهم رغم ما مر عليهم من ليالٍ صعبة” إنه “أبو صالح” العائد إلى حي “غويران” داخل مدينة الحسكة شرقي سوريا.
“أبو صالح” -الاسم الذي اكتفى بإعطائه لمراسل منصتنا- عبّر بحديث خاص معنا عن رحلة عودته مع عائلته لمنزله بعد نحو ثلاثة عشر يوماً من النزوح القسري الذي تعرضوا له من حي “غويران” في الحسكة، إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة من هجوم لتنظيم “داعش” على سجن”الصناعة”، والاشتباكات التي اندلعت هناك.
“وكأن مسير الهروب استغرق سنوات طويلة عندما بدأت الاشتباكات في الحي، وكأن طريق الأمان بدأ بالابتعاد عنّا”.
“أبو صالح” وعائلته مع عائلتي إخوانه هربوا في الـ 21 من الشهر المنصرم خوفاً من الاشتباكات نحو الأطراف البعيدة عن حي “غويران” الأكثر أمناً، وبعد انتهاء الاشتباكات وإعلان “قسد” إنهائها الحظر الكلي المفروض على الحسكة وعودة الحياة -إلى حد ما- إلى طبيعتها، حمل طفلتيه على كتفيه في طريق العودة للحي الذي لا يزال يخضع لحملات تفتيش دقيقة أعلنت عنها قوات “قسد” في وقت سابق.
قوات “قسد”، وحسب مصادرنا، سمحت لجميع من خرج من منزله بالعودة لكن فرضت عليهم المشي وعدم الدخول بالسيارات، الأمر الذي زاد من صعوبة التحرك بالنسبة لـ “أبو صالح” وغيره من حاملي أثاثهم البسيط وملابسهم التي هربوا بها.
نحو 90% من مدنيي أحياء “غويران، النشوة الشرقية، الزهور” وباقي المناطق التي شهدت اشتباكات، عادوا إلى منازلهم بعد خضوعهم لعمليات تفتيش دقيقة من قبل قوى الأمن الداخلي (الأسايش) التي أعلنت أن الإجراءات المتبعة هي لضمان سلامة المدنيين.
“اضطررنا لاستئجار سيارة بمبلغ 40 ألف ليرة سورية حتى أوصلتنا لأقرب نقطة مسموحة، لنُكمل سيراً على الأقدام مدة 45 دقيقة طريقنا نحو منزلنا الذي يبعد عن سجن الصناعة 200 متر فقط، وقد وجدناه مكسراً بشكل شبه كامل ولا نعلم من قام بذلك”.
العشرات من المنازل بحسب –”أبو صالح”- تعرضت للتكسير والتخريب وجِدت بعد عودة الناس إليها، ويُعتقد أن عناصر التنظيم قاموا باستخدام منازلهم كملاجئ لهم من القصف، والاستفادة من المؤن المخزنة فيها إضافة إلى حرق الأبواب لاستخدامها للتدفئة.
ومن جهة أخرى تلقى سكان (الفيلات) إنذاراً من قبل “قسد” لإخلائها بشكل كامل -لأسباب مجهولة- وهي عبارة عن أبنية حكومية سابقاً تقع في القسم الشرقي من كلية الاقتصاد التي تعرضت للدمار جراء قصف قوات التحالف لها، بعد تحصن عناصر من “داعش” ضمنها.
ومن (إجراءات السلامة) التي أعلنت عنها “قسد وأجهزتها الأمنية” قرار بمنع تحرك الدراجات النارية بشكل كامل في مدينة الحسكة حتى إشعار آخر.
وشهدت محافظة الحسكة وتحديدا في حي “غويران” الذي يتواجد فيه سجن “الصناعة” المخصص لمعتقلي تنظيم “داعش”، منذ أكثر من أسبوع تقريبًا، أحداثًا أمنية متسارعة تطورت لاشتباكات بين “داعش” وقوات “قسد”، ما دفع بالأخيرة لتنفيذ إجراءات أمنية مشددة في مختلف المدن والبلدات الخاضعة لسيطرتها في شمال شرق سورية، قبل أن تعلن قبل أيام استعادتها السيطرة على الأوضاع في المنطقة وخاصة في سجن “الصناعة” داخل المدينة.