وكأن الحلم تحقق قبل أن يبدأ، حين كانت دماؤنا تغلي مع كل ثورة عربية تندلع، وفي ذلك الوقت قلنا إن “الحلم سيُصبح حقيقةً”.
اِتّقَدت عينا “أبو طه” عندما استرسل بالحديث عن اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية في عام 2011، حيث تحدث لمراسل منصة SY24 عن أهم المحطات التي مرت بها الثورة السورية على مستوى مدينة “الرقة”.
السّتيني “حسون المرندي” أو كما يعرف بين الثوار في “الرقة” “أبو طه شيخ الثوار”، عاصر ومايزال كل الأحداث والمظاهرات التي انطلقت في مدينة الرقة، يخبر مراسلنا أنه ” قاد أول مظاهرة من مسجد الفردوس في حزيران عام 2011″.
لا يحب السؤال عن سبب انضمامه بركب الثورة، لأن الثورة كانت تمسه ككل السوريين الأحرار بالدرجة الأولى، وكان يُعول عليهم في الاستمرار فيها.
إجابته كانت صارمة بأن “الثورة السورية كانت حقيقة لا غنى عنها، للخلاص من أطغى دكتاتوريات العصر، ونظام حكم مستبد، استمر لأكثر من خمسين عاماً”.
حبه الكبير لمدينته “الرقة” كما أخبرنا، منعه من مغادرة المدينة، وكان وابنه “طه” 20 عاماً، من أوائل الثوار فيها، حيث عانى خلال مسيرته الطويلة من الاعتقالات، كان أولها في أيلول 2011 على يد عناصر الأمن العسكري في المدينة، بعد مداهمة منزله إثر مشاركته في المظاهرات.
يقول لنا “تم اقتيادي مباشرة إلى فرع الأمن العسكري في المدينة، وتجريدي من ملابسي بشكل شبه كامل، لكني رفضت التعري كما طلبوا مني، فانهالوا عليَ بالضرب المبرح”.
يستذكر “أبو طه” هذه اللحظات بحرقة، وكيف وضعه عناصر الأمن العسكري في زنزانة مع 45 شخصاً تقريباً، من بينهم أطفال ونساء جُمعوا في زنزانة واحدة لمدة لا تقل عن 17 يوم.
ثم كان الاعتقال الثاني بداية 2012 ولمدة 37 يوماً في فرع الأمن العسكري أيضاً وهناك تعرض لأشد أنواع التعذيب والإهانات اللفظية والجسدية والنفسية.
17 مظاهرة شهدها وشارك بها “شيخ الثوار” كان أكبرها وأكثرها وقعاً في نفسه مظاهرة “الساعة الكبرى” التي سقط فيها أكثر من 125 شهيد، وللمرة الأولى بعد استشهاد “علي البابنسي” أول شهيد في المدينة.
يخبرنا عن سر سبب شهرته في وسائل التواصل الاجتماعي فيقول لنا :”ربما صورتي وأنا “أتبول” على تمثال “حافظ الأسد” في وسط المدينة كانت سبباً لشهرتي إعلامياً، لكن الثوار في المدينة والقتلة من مجرمي البعث يعرفونني قبل ذلك بكثير”.
سقوط تمثال “حافظ أسد” وسط المدينة يوم التحرير كان بمثابة نجاح لثورة أبناء “الرقة” ، بعد أن أصبح رمزاً للطغيان، ومحركاً لمشاعر الكثيرين ممن شاهدوا عمليات القتل في المدن السورية الثائرة ولا سيما في “درعا وحمص وحلب” آنذاك.
وبعد تحرير المدينة من قوات النظام، شارك “أبو طه” في إعادة هيكلة شكل الحكم المدني في “الرقة” من خلال منظمات المجتمع المدني التي كان جُل عملها وضع قانون يُسير المدينة المحررة، إلا أن فصائل الجيش الحر آنذاك لم تكن بحسب رؤية “أبو طه” بالمستوى المطلوب.
وكمثال عن ذلك قال لنا :”خرجتُ في مظاهرة كبيرة، دعيت إليها بنفسي ضد فصيل “إسلامي” قام بإطلاق الرصاص الحي على المدنيين، ثم اتبعتها بمظاهرة أخرى ضد “جبهة النصرة” آنذاك، التي بدأت بتضييق الخناق على المدنيين ومقاسمتهم لقمة عيشهم”.
ثم أضاف ” لقد سرق “الراديكاليون” ثورتنا، لم نكن دُعاة سلاح، بل كان حلمنا أن نُسقط النظام البعثي ونُغيره عبر مظاهراتنا السلمية، لكن برأيي أن النظام هو من دفع الناس إلى حمل السلاح بعمليات القتل المباشرة التي استفحل فيها”.
كانت رؤية “أبو طه” واضحة فيما يخص حمل السلاح، وكان متخوفاً من انجرار الثورة نحو الطائفية والقتل، وهذا ما حصل فور سيطرة تنظيم “داعش” على مدينة “الرقة” ، والذي قام باعتقاله أيضاً في نيسان من عام 2015، بحجة تواصله مع “الجيش الحر” أو كما أسماهم التنظيم “الصحوات”.
يقول لمراسلنا :”تدخُل شيوخ العشائر كان منقذاً لي بعد الله من يد عناصر التنظيم، الذين قاموا بسجني في النقطة 11، السجن الأشهر للتنظيم لمدة 47 يوماً، خلال هذه الفترة ألبسوني اللباس البرتقالي أو ما يعرف ببدلة الإعدام”.
لحظات ماتزال تحفر ندوباً في ذاكرة أبو طه” رواها لنا، وأخبرنا قليلاً عن حياته قبل الثورة، حيث أجبر على ترك منزله، والتخلي عن وظيفته، بعد أن كان مساعد مهندس، في سبيل الاستمرار بقضيته، وقضيته كل السوريين، وهي حسب قوله “نجاح الثورة وإسقاط نظام البعث والاطمئنان على مستقبل الأطفال بأنهم سيكونون في يد أمينة”.
وختم حديثه معنا بالتعريج على ثوار “السويداء” معولاً عليهم كثيراً وبأن ثورتهم ربما ستكون شرارة أخرى تُعيد الثورة السورية إلى سيرتها الأولى، وقال: “لن ولم أفقد الأمل بنجاح ثورة شعب نهض ضد الطغيان والظلم، ثورة شعب لا يمكن أن تموت لأنها فكرة والفكرة لا تموت”.