“أينما زرعك الله.. أثمر”، بهذه الكلمات المفعمة بالعطاء والنجاح، بدأت السيدة “أحلام الرشيد” حديثها إلينا في مقابلة خاصة مع منصة SY24 للحديث عن امرأة سورية تعيش في مخيمات الشمال السوري، وذاع صيتها عالمياً، وكانت من ضمن أهم 100 امرأة ملهمة في العالم، حسب تقرير لـ BBC عام 2018.
عُرفت” أحلام الرشيد” ابنه معرة النعمان من ريف إدلب الجنوبي، بعطائها وحبها للعلم منذ سنوات قبل وبعد الثورة السورية، إذ تحمل إجازة في الأدب العربي من جامعة حلب عام 1991، وحاصلة على دبلوم التأهيل التربوي، عملت في التدريس منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، بعد مسيرة حافلة بالنجاح والعمل في مجالات عدة تعنى بشؤون الطفل والمرأة والتعليم في الشمال السوري.
تخبرنا “الرشيد” عن نفسها فتقول: إنها “منذ بداية 2012 عشت مرارة النزوح في مخيمات قاح، أكثر من عام ونصف، لكني لم استسلم للواقع الصعب الذي فرض علينا وأخرجنا من بيوتنا، قدمت خيمتي لتعليم الطلاب وبدأت بمقومات بسيطة لترغيبهم بعد ترك تعليمهم، ثم تطورت أحلامي التي وضعت بها خبرة سنوات طويلة من التعليم والتدريب والعمل مع الفرق التطوعية والمنظمات الإنسانية التي تُعنى بشؤون حماية المرأة الطفل، في سبيل إنشاء جيل متعلم خلق في سنوات الحرب ووجد نفسه مجرد من أبسط حقوقه في الحياة الكريمة والتعليم”.
حصلت الرشيد في 2019 على الوسام الذهبي في “مؤتمر صناع التغيير على مستوى الوطن العربي” لما قدمته من أعمال إنسانية على مستوى شمال وشمالي غربي سوريا في مجال حماية وتعليم الأطفال وبناء القدرات وتوعية النساء تقول عن هذه المرحلة :” دربت إلى حد الآن أكثر من ثمانية آلاف متدرب/ة في مجالات مختلفة”، في 2020 شاركت “الرشيد” في فيلم وثائقي يحمل اسم “في فخ إدلب” الذي فاز بالجائزة الأولى في مهرجان باريس.
إذ تعمل اليوم في أكثر من اختصاص منها ميسرة في لجنة حماية الطفل، ومسؤولة عن منتدى “أسعى” الإنساني في “أطمة”، ومسؤولة مهام لجان الحماية، وموجودة ضمن خبراء التعليم بمديرية التربية في إدلب.
لم يشغلها العمل الإنساني عن عائلتها، تخبرنا “الرشيد” أنها أم لأربعة شباب تهتم بهم كأنهم مازالوا أطفال، وجدة لثلاثة أحفاد صغار، تحب عائلتها كثيراً وتجد في زحمة العمل فرصة صغيرة لتعيش حياتها بينهم كأم وجدة وربة أسرة.
من خلال سكنها في بلدة “أطمة” شمال إدلب، واطلاعها الواسع على مستوى الطلاب التعليمي المتدني، آثرت أن يكون آخر مشاريعها التعليمية هو معهد ومدرسة خاصة لتعليم الطلاب والطالبات في المخيمات الذين انقطعوا و تسربوا من المدارس بسبب الحرب والنزوح الذي فرض عليهم.
عن هذه المدرسة تقول “الرشيد”: “اخترت مكان المدرسة في منطقة وسطى بين المخيمات وبين البلدة، ضمت أكثر من 155 طالبا وطالبة، لمرحلتي الشهادات الإعدادية والثانوية فقط، بكادر تدريسي يضم 16 معلم ومعلمة ذو كفاءة وخبرة، انطلق المعهد في منتصف العام الماضي في الشهر السابع، و بفترة قياسية استطاع كسب قلوب الطلاب وذويهم الذين أشادوا بنجاح هذه الخطوة في عودة أبنائهم للتعليم وبناء مستقبلهم”.
المعهد يقدم خدماته بأقساط مناسبة تراعي ظروف الأهالي وأوضاعهم المعيشية، فيما لا يتم أخذ أي قسط من الطلاب ذات الوضع المعيشي السيء، ومن أبناء الشهداء والمعتقلين، ومَن ليس لديه معيل، وبذلك حققت أحلام الطلاب بالعودة إلى الدراسة وإكمال تعليمهم رغم ظروفهم السيئة.
تقول لنا : “لا يعتبر المعهد مكانا للدراسة فحسب بل هو متنفس لكثير من الطلاب والطالبات من قاطني المخيمات، وخاصة لبعض الفتيات اللواتي عدن للدراسة بعد تجربة زواج وطلاق، فكان التعليم ملاذهن الأخير لتحقيق ذاتهن واستعادة الأمل ببناء مستقبل مشرق”.
أكثر ما يسعد “الرشيد” أن كثيراً من طلابها ينادونها “يا أمي” فهي ليست معلمة ومديرة المعهد فحسب بل هي بمثابة أمهم التي تدعمهم وتقف بجانبهم في مختلف ظروفهم الصعبة والتحديات التي تواجههم في بداية عمرهم.
كسبت”الرشيد” ثقة وحب جيل كامل من الناشئين حين أمنت لهم مكاناً للعلم ومنطلقا للمستقبل، بدأ من تقديم التعليم في خيمة ووصل إلى مدرسة كاملة، وعن مشاريعها المستقبلية حدثتها السيدة عن سعيها للحصول على ترخيص لافتتاح جميع الصفوف الدراسية من الروضة وحتى الثانوي في العام القادم.
في يوم المرأة العالمي الذي أقرته الأمم المتحدة في الثامن من آذار كل عام، هناك في شمال سوريا نساء وأمهات وحدهن هن من يستحقن أن يحتفلن بهذا اليوم، لأنهن أثبتن بالفعل كيف صمدت المرأة السورية في وجه أعتى حرب شهدتها البشرية ضد شعب أعزل، وكانت الضحية الأضعف في هذه الحرب.
إذ واجهت المرأة السورية منذ انطلاق الثورة 2011 ظروفاً صعبة في مختلف المناطق، وأجبرت على النزوح والتهجير، بعدما عانت مرارة القصف والحرب، وكانت ضحية الاعتقالات التعسفية والتعذيب، في سجون النظام، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنماطاً مختلفة من الانتهاكات التي عاشتها المرأة السورية خلال السنوات الماضية، وسجلت مقتل ما لا يقل عن 28316 أنثى، في حين أن ما لا يقل عن 9668 امرأة لا تزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.