تشهد معظم المحافظات السورية ارتفاعاً جنونياً في أسعار إيجارات المنازل، دون قدرة المعنيين على ضبط الأسعار، أو تحديد سقف معين لها، للحد من استغلال أصحاب العقارات والتحكم بأسعار الإيجار وفقاً لمزاجيتهم، ما شكل عبئاً ثقيلاً على شريحة واسعة من السكان في سوريا، تزامناً مع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
يدفع “وائل” 34 عام، حوالي 150 ألف ليرة سورية أجرة المنزل الذي يسكنه في حي برزة البلد، بعد أن رفع صاحب المنزل، الأجرة خمسين ألفاً زيادة عن الأجرة السابقة الشهر الماضي، يقول في حديث خاص إلينا :”تفاجأت بصاحب البيت، آخر مرة دفعت له الأجرة، أنه طلب زيادة أو إخلاء المنزل، متذرعاً بأن الدعم الحكومي رفع عنه بسبب امتلاكه هذا العقار، ما أثر سلباً علينا نحنا المستأجرين”.
يعمل “وائل” سائق تكسي عمومي، ويشكي لنا حال الفقر والضيق الذي يعيشه بسبب الوضع المعيشي المتردي الذي آلت إليه البلاد، حيث أن عمله لا يكاد يكفيه أجرة منزل وثمن خبز وغاز فقط، بالوقت الذي تضاعفت فيه الأسعار عشرات المرات بشكل لا يناسب المردود اليومي لغالبية السكان.
منصة SY24 رصدت أسعار إيجارات المنازل في دمشق وضواحيها، إذ تتراوح الأجرة في المناطق العشوائية كحي “عش الورور” في برزة، و”مزة 86″ وغيرها من الأحياء الشعبية، ما بين 100 _200 ألف ليرة سورية شهرياً، فيما ترتفع في الأماكن القريبة من العاصمة لتسجل 300 _ 700 ألف ليرة في الشهر، بينما سجلت الأحياء الراقية كحيي “المالكي والحمرا” أكثر من مليوني ليرة سورية أجرة المنازل هناك، فيما تفضل بعض العائلات أخذ الأجرة بالدولار.
بالعودة إلى صاحب أحد المكاتب العقارات في منطقة قدسيا، للوقوف على أسباب ارتفاع الإيجارات بشكل غير مسبوق، حيث أخبرنا في حديث خاص لـ منصتنا أنه “في الفترة الماضية قفزت إيجارات المنازل كثيراً، بعد رفع الدعم الحكومي عن شريحة واسعة من المواطنين بسبب امتلاكهم عقارات، ما جعل أصحاب تلك المنازل ترفع الأجرة لتعويض الحرمان من الدعم، في ظل ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء “.
هذا ما أكده الحاج السبعيني “أبو خليل” الذي يملك منزلين في منطقة الزاهرة القديمة، يعتاش من أجرتهم، يقول في حديثه إلينا :” أجرة المنازل لاتقارن ابداً بقيمة العقار، التي ارتفعت بشكل كبير، ولا تكفي أيضاً الاعتماد عليها كمصدر دخل بسبب الغلاء”.
يعتمد “أبو خليل” على أجرة المنازل في تأمين مصروفه، بعد أن رفع الدعم الحكومي عنه، وأصبح يشتري معظم حاجياته بسعر الحر، كالخبز والغاز وعدد من المواد الغذائية، يؤكد لنا أن أجرة المنازل لاتكفيه ثمن مصروف يومي، وبعض الأدوية الضرورية.
لا يختلف الأمر كثيراً في باقي المحافظات السورية، بل شهدت مدينة حمص ارتفاعاً ملحوظاً في قيمة العقارات أثر على أجرة المنازل أيضاً، كما تشهد مناطق الشمال السوري وضعاً مماثلاً، إلا أن الأجرة تدفع بالدولار وليس بالليرة التركية أو السورية.
يتحدث إلينا الشاب “نضال” مهجر من ريف دمشق يقيم في مدينة إدلب، عن حالة الاستغلال الكبيرة من قبل أصحاب المنازل في عموم المناطق المحررة، ولاسيما أن معظم السكان هم نازحين من بلادهم ومهجرين، و أوضاعهم المعيشية قاسية جداً.
رصدت منصة SY24 متوسط أجرة المنازل في مدينة إدلب، حيث سجل الحد الأدنى لإيجار المنازل 75 دولار، بينما بلغ متوسط الإيجار ما بين 100 _ 150 دولار، في الوقت الذي يعاني فيه معظم السكان من ظروف معيشية متردية وتدني مستوى الدخل الذي لا يتناسب أبداً مع الأسعار المرتفعة، وهذا ما عده كثير من الأهالي استغلالاً واضحاً لهم.
يقول “نضال” واصفاً معاناته مع التنقل والبحث عن منزل، ” منذ تهجيري قبل خمس سنوات وإلى اليوم لا أقيم في المنزل أكثر من ستة أشهر، بسبب رفع الأجرة بعد انتهاء العقد، وطلب إخلاء المنزل فوراً، لتبدأ مشقة البحث عن منزل آخر يناسب دخلي الذي لا يتجاوز خمسين ليرة تركية”.
ويؤكد أن عدد من أصحاب المنازل يطلب سلفة عن ثلاثة أشهر، ومنهم من يطلب تأمين بمبلغ كبير أيضاً ومنهم من يطلب إخلاء المنزل لمجرد وجود شخص آخر يدفع مبلغاً أكثر.
هذه الحال الصعبة في رفع قيمة أجرة المنازل، تعيشها شريحة واسعة من السوريين في مختلف المناطق، ترافقها سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الخانقة، بعد موجة غلاء التي ضربت البلاد وضاعفت الأسعار من جميع النواحي مع تدني مستوى الدخل الذي لا يناسب الغلاء أبداً.