تزدحم الأسواق التجارية في مدينة إدلب والدنا سرمدا، قبيل موسم العيد، وتفترش عربات بيع الملابس أرصفة الطرقات، وتلون قطع الثياب المعلقة، جدران المحلات التجارية، غير أن الأسعار المرتفعة تفسد تلك اللوحة الجميلة وتجعلها محط مشاهدة وتحسر واستنكار لهذا الغلاء الحاصل.
ينتهي مشهد التسوق اليومي عند “أم عبد الرحمن” أثناء ذهابها إلى مكان عملها في مدينة سرمدا شمال إدلب، دون يجذبها أي عرض مغر لشراء كسوة لأطفالها، تغض بصرها تارة عن القطع المعروضة في السوق، وتارة تسرح في جمال الملابس و أناقتها مع تحسر واضح في عدم قدرتها على شراء الملابس لأطفالها.
“لا كسوة ملابس هذا العيد”، هكذا أجابت “أم عبد الرحمن”، عن تساؤل أبنائها بشأن الحصول على ملابس جديدة قبيل عيد الفطر، لاستكمال طقوس الفرح والبهجة كحال جميع الأطفال في معظم مناطق سوريا.
إذ لم يبقِ لهيب أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية فرصة للتفكير في كسوة العيد لشريحة واسعة من الأهالي، بعدما ضربت البلاد موجة من الغلاء الفاحش شملت جميع المواد والسلع الأساسية، وبات التفكير في لقمة العيش أبرز أولويات العوائل، مع التخلي عن باقي التفاصيل الأخرى كالكسوة وشراء حلويات العيد أو أي لوازم أخرى غير الطعام والشراب، حسب من التقيناهم من الأهالي.
تقول “أم عبد الرحمن” وهي المعيلة الوحيدة لأطفالها الأيتام، تعمل في محل بيع ملابس، في حديثها إلينا: “كان رمضان هذا الموسم أشد علينا من السابق، مع قلة الدخل والعمل، والغلاء وتقليص المساعدات الإغاثية، وهبوط الليرة التركية، إذ لم يترك لنا مجالاً لادخار مبلغ من المال لشراء ملابس الأطفال ولاسيما أن الأسعار هذا العام لاترحم أحد”.
ومن المصادفة المؤلمة التي تخبرنا عنها، من خلال عملها كبائعة في أحد المحال التجارية، أنها تساعد الأمهات في اختيار الثياب لأطفالهن، دون أن تتمكن هي من الشراء لأطفالها، تقول لنا: “لا تكفِ أجرة عملي طيلة الشهر ثمن فستان وحذاء لابنتي سعرهم يتجاوز 400 ليرة تركية، وأنا أتقاضى 500 ليرة فقط، بالكاد تكفيني ثمن خبز وطعام”.
الظروف المعيشية المتردية التي يعيشها كثير من السوريين أجبرتهم على التخلي عن كثير من الطقوس التي تصاحب موسم رمضان والعيد، كـ تحضير الحلويات وشراء الملابس الجديدة لإظهار فرحة العيد كما اعتادوا في السابق.
في جولة لمراسلتنا في المنطقة، رصدت فيها أسعار بعض الملابس، واستطلعت فيها رأي الشارع بالأسعار هذا العام، وسألتهم عن إمكانية شرائهم الكسوة لعوائلهم بعد انتصاف شهر رمضان والبدء بتحضير لوازم العيد، أجمع عدد ممن تحدثنا إليهم، أن شراء الملابس أمراً مرهق بالنسبة لهم، وقد يستغنون عنه هذا العيد.
إذ تضاعفت الأسعار كثيراً عما كانت عليه، فمتوسط سعر الفساتين للفتيات الصغار والطقم الصبياني، يبدأ من 300_500 ليرة تركية، وسعر الحذاء 50_100 ليرة، إضافة إلى حقيبة يد صغيرة بـ 50 ليرة، و “اكسسوارات” للزينة 30 أي أن تكلفة كسوة طفل هذا العام، من أرخص الأسعار الموجودة لاتقل عن 500 ليرة تركية.
تحتاج عائلة “أم عبد الرحمن” إلى أكثر من 1500 ليرة لشراء كسوة لأطفالها الثلاثة، وهذا ما عجزت عن تأمينه هذا العام، تخبرنا أنها تنتظر أي جميعة خيرية تتكفل بهذا الحمل عنها كون الأطفال أيتام وترغب في إسعادهم كباقي الأطفال.
وبالعودة إلى “أبو علاء” صاحب أحد محلات بيع الملابس في سرمدا شمال إدلب ، للوقوف على سبب ارتفاع الأسعار، قال لنا: إن “الغلاء شمل كل شيء وليس فقط لقمة العيش، فحتى أجرة المحل ارتفعت، وأجرة شحن الملابس واستيرادها من الخارج كلها سببت تضاعف في أسعار الملابس، علاوة على رفع الأسعار من المصدر أيضاً”.
لم ينكر “أبو علاء” أن بعض أصحاب المحلات تستغل هذا الفرصة لرفع الأسعار، فهو موسم سنوي ينتظره الباعة لتعويض خسارتهم طيلة العام، وبالتالي تضاف نسبة سعر مرتفعة عن باقي الأيام العادية، مع إقراره أن هذا التصرف هو استغلال لظروف الناس وخاصة أن الوضع المعيشي لا يتحمل أي عبء إضافي.
يشهد النصف الثاني من رمضان زحمة في الأسواق، تنبئ عن شرخ اجتماعي واضح في نسيج الطبقات الاجتماعية، فهناك عشرات الأسر تستطيع شراء ماتشاء دون التفكير بالأسعار، ولكنهم فئة قليلة، مقارنة بالشريحة الأكبر من ذوات الدخل المحدود أو من الذين لايملكون دخلا مادياً ويعتمدون على المساعدات الإنسانية في تأمين لقمة عيشهم وبالتالي يستغنون عن رفاهية الكسوة وشراء الملابس وتحضيرات العيد.