رائحة المعمول الشهية تفوح من منزل السيدة “سمر” 35 عام، مهجرة من ريف دمشق ومقيمة في مدينة إدلب، بعدما أشعلت الفرن لشّي أقراص المعمول والحلويات التي حضرتها بنفسها قبيل عيد الفطر بأيام، تقول في حديثها إلينا، “لا تكتمل فرحة العيد إلا بصنع المعمول في المنزل، منذ كنت في منزلي بريف دمشق قبل التهجير، كنا نجتمع في منزل والدتي ونتشارك بصنع كميات كبيرة من الحلويات، في واحد من الطقوس التي لا يمكن الاستغناء عنها مهما تغيرت الظروف”.
تتشارك “سمر” اليوم مع جيرانها في المبنى، بصنع الحلويات، بعد أن استعارت فرن غاز من إحداهن، وساعدت الأخرى في تحضير العجينة على طريقتها، واجتمعوا سوية لصنع المعمول، وهن يقصصن ذكرياتهن القديمة في منازلهم قبل النزوح والتهجير، عن التحضير لأيام العيد سابقاً كيف اختلفت اليوم، ويتشاركن عادات كل منطقة في طريقة التحضير، إذ تتميز كل منطقة بأصناف معينة من الحلويات والطقوس الخاصة بهذه المناسبة.
تقول “سمر” إنها أحبت الكعك المالح أو كما يعرف بـ “كعك زيت الزيتون” الذي يقدم كضيافة مميزة في العيد إلى جانب الشاي، وتتميز به محافظة إدلب، وخاصة بعد أن علمتها جارتها طريقة تحضيره.
يتحول منزل “سمر” كل عام في مثل هذه الأيام إلى ورشة صغيرة لصنع الحلويات الخاصة بالعيد، ولاسيما المعمول الذي تبرع به حسب شهادة جاراتها وأصدقائها، وتتفنن بصنع أنواع متعددة منها كـ البرازق الشامية المشهورة، والمعمول والبتفور، غير أنها اكتفت هذا العام بصنف واحد فقط بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية ككثير من العائلات التي استغنت عن صنع الحلويات أو حتى شرائها لذات السبب.
يختلف سعر كيلو المعمول في الأسواق بمدينة إدلب حسب المكونات والحشوة، والسمنة المستخدمة في الصنع، إذ يبلغ كيلو المعمول بالعجوة، من 50 _ 70 ليرة تركية، ومعمول الجوز بين 70 _90 ليرة، فيما تجاوز سعر كيلو المعمول بالفستق الحلبي نوع أول 100 ليرة تركية، وتلعب السمنة المستخدمة دورا في رفع السعر، إن كانت حيوانية أو نباتية.
يقول صاحب محل بيع حلويات في مدينة إدلب إن “الأسعار ارتفعت كثيراً مقارنة بالعيد الماضي، إذ كان سعر كيلو المعمول يتراوح بين 20_30 ليرة تركية فقط ام اليوم فقد تجاوز سعره خمسين ليرة، وهي تعادل أجرة عمل يوم كامل لعامل مياومة”.
وأرجع سبب الغلاء إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية كالطحين والسكر والتمر، كما أن سعر أسطوانة الغاز المنزلي ارتفعت أيضاً حوالي الضعف، وكل هذا الأسباب جعلت أسعار حلويات العيد هذا الموسم تحلق عالياً.
غلاء الأسعار لم يمنع السيدة “عبير” ، مقيمة في مخيم شرقي سرمدا، من صنع كمية قليلة لأطفالها من حلويات العيد بما توفر لديها من مواد بأقل تكلفة، تقول لنا “لا أحب أن يمر العيد دون أن يتذوق أطفالي الحلويات، و يشعروا بفرحة العيد كباقي الأطفال”.
تخبرنا “عبير” أنها خبأت علبتي التمر والسمنة التي حصلت عليهما من سلة المعونة الشهر الماضي، مع كيلين من الطحين، لصنع معمول العيد واستعارت فرن الغاز من عند جارتها لتحتال على ظروفها المعيشة بأبسط الأشياء وتصنع لعائلتها حلويات العيد.
تتفنن النسوة السوريات بخلق أجواء السعادة ، رغم كل الظروف التي عاشوها من نزوح وتهجير وغربة، يبحثن عن مساحات من الفرح في أدق تفاصيل حياتهن، كالسيدة “عبير” وغيرها من الكثيرات ممن اعتادوا على تدبير أمورهم بما يتوفر لديهن.
بينما يعد تحضير حلويات العيد بالنسبة للحاجة “أم توفيق” من أهالي مدينة إدلب، طقساً عائلياً بامتياز، وفرصة لجمع نساء العائلة والتعاون معاً لصنع كعك العيد الذي تتميز به المدينة تقول لنا : “لا عيد بدون كعك زيت الزيتون”
يحضر كعك العيد كجزء من العادات والتقاليد المميزة بأهالي إدلب، منهم من يصنعه بالمنزل، ومنهم من يشتريها جاهزة من محلات الحلويات في السوق.
أما “أم توفيق” فتفضل أن تحضر العجينة بنفسها، إذ تضع التوابل والزيت ذات الجودة العالية لضمان نكهة أصيلة تقول لنا :” أضيف للطحين زيت الزيتون الأصلي، والزنجبيل والشمرا وجوزة الطيب، واليانسون والسمسم والعصفر، وأخلط التوابل مع بعضها البعض وهنا تنتهي مهمتي تبدأ مهمة الصبايا بتشكيل الكعك على هيئة أقراص صغيرة مدورة، توزع في الصواني، ثم توضع في الفرن، لتفوح منها رائحة التوابل الشهية وتملأ الحي”.
بالوقت الذي استطاعت عائلة “أم توفيق” تحضير حلويات العيد، عجز كثير من العائلات في الشمال السوري عن صنع أو شراء الحلويات ولاسيما أن المنطقة تشهد ارتفاعاً كبيراً بالأسعار وموجة غلاء شملت كل المواد والسلع الأساسية مع تدني مستوى الدخل وارتفاع معدل البطالة والفقر.