يجتمع عشرات الشبان اليافعين في أحد المراكز وسط المدينة حيث يعملون بشكل منظم على مواهبهم التي بدأت ترى الشمس خلال السنوات الماضية، وبالذات عقب انضمام عدد كبير منهم إلى مركز “جسور شبابية”، والذي يعنى بتنمية مواهب اليافعين في مدينة الرقة شرقي سوريا.
الفنانة “شاهة الصالح” تنحدر من مدينة الرقة، أبدعت بالرسم الذي وجدت فيه غايتها بتفريغ الطاقة السلبية التي تتولد داخلها وداخل أطفالها، وبالذات بعد سنوات الحرب الطويلة عاشتها وما تزال تعيشها إلى هذه اللحظة، حالها كحال الفتيات من عمرها التي تبحث عما يشغل تفكيرها ويبعدها عن الواقع المرير الذي تعاني منه.
وقالت “الصالح” في حديث لها مع منصة SY24: “دائماً ما كنت أرى فتياتي الصغار وهن جالسات لا يقمن بأي عمل، لذلك حاولت أن أجذبهن إلى دفاتر الرسم والألوان للتعبير عما يجول في خُلدهن، وقد نجحت في تحويل طاقاتهم السلبية إلى عمل إيجابي، وهذا لأنني أطمح أن يكون لدينا جيل واعد بالمواهب المبدعة”.
وأضافت أن “هذا كان أول دافع لانضمامي إلى مركز جسور شبابية كونه أصبح يشكل لي مساحة آمنة مليئة بالأنشطة الشبابية الرياضية الفكرية، وصولاً للرسم والأشغال اليدوية البسيطة، وخاصةً أن المركز يعمل بشكل مجاني لصالح الموهوبين”.
وأوضحت أنه “تم من خلال هذا المركز الإعلان عن أكثر من 20 موهبة ناجحة بدأت تقدم تجاربها في الرسم، والموسيقى وحتى الشطرنج، الذي ما غفله المدربون لِما وجدوا فيه من القدرة الكبيرة على التدرب على التركيز والتفكير”.
وتخرجت السيدة “شاهة الصالح” من معهد إعداد المدرسين في الرقة، قسم الرسم، ومازالت ترفض أن تطلق على نفسها لقب رسّامة، لأنه “لا حدود للإبداع في الرسم والألوان”، على حد قولها.
وترى أن الظروف التي عايشتها مدينة الرقة من حرب ودمار أثر بشكل كبير على الحالة النفسية لديها ولدى غيرها، وتستذكر رحلة النزوح من المدينة التي أحبتها والعودة إليها لتجدها أثراً بعد عين كما قالت، وتجد منزلها قد أحترق بشكل شبه كامل، مع رسومات وذكريات كبيرة، ما أثر في نفسها بشكل كبير جداً، لكنها أصرت على الاستمرار وألا تقف عند حدود اليأس.
وأردفت: “أحزنني كثيراً منظر منزلي المدمر، لكن شعوري بفقد رسوماتي كان أشد حُزناً في نفسي، لأنها كانت نتاج عمل دؤوب استمر لسنوات، ولأنها كانت ذاكرة لم أعد استطيع استرجاعها، لكن كانت تُعزيني الحرية التي أصبحت عليها في الرسم والإبداع”.
وباتت مدينة الرقة تعد مركزاً لعدد كبير من المبدعين والمبدعات في عدد من المجالات، وذلك بعد أن فُتح الباب لهم على مصراعيه للتعبير عن أنفسهم وليثبتوا للعالم قدرتهم على تجاوز الصعوبات التي تواجههم وبالذات المبدعات من سيدات الرقة، حيث سلط الإعلام المحلي في الرقة الضوء عليهم وأظهر موهبتهم للعالم.
وتؤكد “الصالح” أنها تسعى إلى رؤيا الفن والإبداع في الرقة يأخذ حقه بشكل كامل، بعد الاعتناء بالمبدعين الذين يُشكلون الركيزة الأساسية لبناء المجتمع الثقافي فيها، بعد أن وضعت ثقتها الكاملة بهم واهتمت بهم مع المدربين الآخرين، موضحة أن “الجيل القادم سيكون أفضل حالاً من الجيل الذي عايش الحرب”.
من جهتها تحدثت الطفلة “هيا العلي” 14 عام، عن كيفية انضمامها إلى مركز جسور شبابية الثقافي لتنمي موهبتها بالرسم وتشارك في معارض محلية بمدينة الرقة أقامتها منظمات محلية، وقالت: “كُنت أبحث عمن يُشجعني ويكتشف موهبتي، وصلت إلى المدربة شاهة الصالح وعندها اكتشفت نفسي ووثقت بها أكثر وأبدعت في موهبتي”.
يذكر أن جميع الأنشطة الثقافية والفنية في مدينة الرقة شرقي سوريا قد توقفت لعدة سنوات، عقب سيطرة تنظيم داعش على المدينة ومنعه لهذه النشاطات، كما قام التنظيم بملاحقة الفنانين والرسامين ومنعهم من العمل في جميع المدن التي سيطر عليها، الأمر الذي أوقف العجلة الثقافية ومنع الشباب من ممارسة هواياتهم.