يعتبر “عبد الإبراهيم” من أهم مزارعي فسائل الأشجار في الرقة، ويعود له الفضل في زراعة الآلاف منها في المدينة على مدى أربعة عقود من الزمان، حيث عمل خلالها في تحريج الغابات و زراعة فسائل الأشجار التي تُجهز خصيصاً لزراعة الغابات كغابة “الكرين” وغابة المدخل الشمالي للمدينة.
ويؤكد “عبد الإبراهيم”، 82 عام، في مقابلة خاصة مع مراسل منصة SY24، على “أهمية العمل والاستمرار في مجابهة أقسى الظروف ليترك الإنسان بصمته في الحياة، وليحفظ أنواع الأشجار غيباً كما يحفظ الأب أبنائه، موضحاً أنها تحتاج لرعاية فائقة واهتمام بالغ لتنمو بشكل صحيح، وخاصة الفسائل المثمرة التي تُعطي في نهاية الأمر ثماراً سيتم أكلها، لذا فإن الاهتمام بالثمار الجيدة يبدأ من الاهتمام بفصائلها”، على حد تعبيره.
يقول الحاج عبد”: إن “العديد من المهندسين في الرقة و المزارعين والمختصين بالحِراجّ على وجه الخصوص قد تعلموا على يدي على مر العقود الماضية، وكان أغلبهم يأتي ليختبر نفسه عندي ولم أبخل عليهم بتقديم المعلومات الصحيحة والناجحة زراعة المشاتل والحراج وفصائلها”.
وتابع: ” طريق الرقة-حلب، طريق المنصورة، طريق الكسرات وغيرها من الطرق العامة في الرقة، كانت مليئة بالفسائل التي أصبحت أشجاراً شاهقة الارتفاع ومشهورة بظلالها على مداخل المدينة إلى وقتنا الحالي، لكن أغلبها تعرض للحرق والقطع نتيجة غياب الرقابة على حمايتها، ولأن الحرب لم تفرق بين البشر والحجر وحتى الأشجار كان لها نصيب منها”.
وأضاف أنه “كان هناك عادات قديمة وجميلة لأهل الرقة، على رأسها تزيين منازلهم بفسائل زينة صغيرة، وزراعة أشجار الزينة أمام بيوتهم وخاصة في الريف، الذي لا يكاد يخلو بيت فيه من حقل أو حقلين للأشجار المثمرة والحراجية، التي تشكل سياجاً وحدّاً بين أراضي الناس الذين فضلوا تحديد أراضيهم بالأشجار بدل الجدار أو الأسلاك وغيرها”.
يمتلك الحاج “عبد الإبراهيم” مشتلاً صغيراً زرعه بنفسه، لكنه يرى مستقبل الزراعة مرتبط بزراعة الأشجار المثمرة، وخاصة بعد اتجاه أغلب المنظمات العاملة في الرقة نحو زراعة كل مساحة خالية من مدينة الرقة وخاصةً حدائقها ومنصفات الشوارع وأرصفتها وجوانب الطرق الرئيسية.
وتعاني زراعة مشاتل الأزهار والأشجار المثمرة من مشاكل كثيرة يعد أهمها التكاليف الباهظة للعناية بهذه المشاتل، والتي تبدأ من شراء بعض أنواع التربة الحمراء، وأكياس الفسائل والبذور وغيرها من المرشدات الزراعية التي تستطيع ترشيد استخدام المياه بدقة، وصولاً إلى بناء البيوت البلاستيكية الضرورية جداً للحفاظ على الفسائل الصيفية في فصل الشتاء.
وأكد “الحاج عبد” على استمراره بالعمل الذي حضَّ عليه بشكل كبير جداً، وخاصة الشباب الذين يشتكون على حد قوله من “غياب فرص العمل”، وأن عليهم السعي وراء طموحاتهم حتى تحقيقها من خلال التحاقهم بأحد مشاتل الرقة التي يعمل فيها العديد من أبناءها، ويعيب عليهم النظر إليه بأنه يُضيع ما تبقى له من حياة بين الأشجار وأنه لا يملك من العمر ما يجعله يشهد رؤيا تلك الفسائل الصغيرة أشجاراً لأنه لا يزرعها كما يقول لنفسه “إنما لتبقى ما بقيت المدينة صامدةً” بحسب تعبيره.
وينتشر أكثر من 20 مشتلاً زراعياً في مدينة الرقة، وتُعتبر نواة زراعة الحدائق والأشجار، إضافة للمشتل البلدي التابع لمجلس الرقة المدني، والمختص بزراعة المنصفات والحدائق، إلا أنها لم تكن على قدر الأمل الذي تعلق بها لأنها، وبحسب “الإبراهيم”، لا تحتوي على أكثر من عشرة أنواع فقط من الأشجار لا يصلح أغلبها للزراعة في الأماكن العامة.