تباينت الأسباب من وجهة نظر محللين وناشطين مهتمين بالملف السوري، في ما يخص الأهداف التي تسعى إليها هيئة تحرير الشام من وراء تدخلها في الأحداث العسكرية الأخيرة شمالي سوريا.
وأشار المحللون في حديثهم لمنصة SY24، إلى أن لدى الهيئة “خطة استراتيجية وغايات اقتصادية، خاصة بعد وصولها إلى مناطق ومعابر استراتيجية ومنها مدينة “عفرين” شرقي حلب، والتي باتت تحت سيطرتها بالكامل، حسب مصادر محلية.
وقال ناشط سياسي من الشمال السوري لمنصة SY24 (فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إن “الذريعة التي دخلت من أجلها هيئة تحرير الشام وفق روايتها الرسمية أنها لإنهاء حالة البغي والاعتداء على بعض الفصائل المنضوية ضمن فصائل الجيش الوطني (فرقة الحمزة – السليمان شاه)، وبعض المقاتلين في أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي، لكن ما لبثت أن دخلت الهيئة من محوري الغزاوية ودير بلوط وأطبقت حصارها على مدينة جنديرس وصولا إلى معبر الحمام”.
وأضاف أن “حقيقة المعركة التي جرت ما بين الفيلق الثالث وما يحتويه من فصائل ومن أبرزها الجبهة الشامية وجيش الإسلام، وهما الفصيلان الذان لديهما تخوف كبير من وصول هيئة تحرير الشام إلى مناطق عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات وصولا إلى نبع السلام، لذلك كانا يقاتلان بشكل مستميت ودفاعهما عن المناطق ينطلق من مصلحة وجودية”.
وتابع أن “الهيئة تبحث بشكل أساسي على تحقيق غايات اقتصادية من خلال تجيش مقاتليها ضمن مشروع أن خصومها بشكل عام فاسدون يتوجب استئصالهم ولديهم قدرة على ضبط مؤسساتهم الإعلامية العاملة في صفوفهم، بحيث لا تظهر حجم خسائرها على الجبهات، رغم أن لديها قتلى وأظهرت بعض المقاطع المرئية وجود جثث لمقاتلي الهيئة ملقاة في الأرض وقد فارقوا الحياة نتيجة لتأثرهم بجراحهم، لكن اللافت أن وسائل إعلام الطرف الثاني (الجيش الوطني) لا تظهر تلك الصور التي قد تساهم في رفع الروح المعنوية لمقاتليها في تصديهم لمحاولة دخول عناصر الهيئة إلى مناطقهم، وبالمقابل هيئة تحرير الشام توصل رسائل لمقاتليها وحلفائها المفترضين بأنهم سيسيطرون على كامل منطقتي غصن الزيتون ودرع الفرات، وبناء على تلك الحوافز المقدمة لعناصر الهيئة سيزداد مقاتلوها شراسة في مواجهة خصومها المفترضين”.
وزاد قائلاً “أرى أن المستفيد الوحيد من تلك الحالة النظام السوري وحلفائه، ومسألة المعابر أرى بأن الهيئة تتخوف من وقف برنامج إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود من خلال معبر باب الهوى، وفي حال تقرر إغلاقه تبحث عن البديل، لذلك أرى بأن كل ما حصل يندرج ضمن إطار البحث عن المصلحة الفصائلية في هيئة تحرير الشام التي باتت ضمن أبجديات قياداتها، والتي رسمت خارطة تحركات تبنى على استراتيجية براغماتية للدفاع عن كينونتها بعيدا عن كل الشعارات التي كانت تسوق لها لجلب المزيد من المؤيدين للانخراط في صفوفها”.
وحول أهمية “عفرين” بالنسبة للهيئة أوضح المصدر أن “السيطرة على عفرين تأتي ضمن خطتها الاستراتيجية للسيطرة على المناطق المحررة والتي لا تخضع لسيطرتها، فتارة تسوق إلى أنها دخلت من أجل فض النزاع الحاصل ما بين الفصائل وتارة من أجل نصرة المظلومين، لكن المواطن القاطن في هذه المناطق التي تشهد اشتباكات بات رهينة صخب المعارك، حيث أنه لم يترك مناطق سكنه التي سيطر عليه النظام ليقع تحت مطرقة معارك هيئة تحرير الشام وسط مخاوفه من سيطرة الهيئة وما سيتبعها من قوانين ناظمة للمناطق التي يسكن فيها المدنيون”.
يضاف إلى ذلك “تداعيات المواقف الدولية تجاه صبغ المنطقة بوسم الإرهاب وما سيتبعه من عمليات لسلاح الجو الروسي، في ظل المحافظة الجزئية على منطقة خفض التصعيد في محافظة حلب والخاضعة لسيطرة الفصائل وفقا لتفاهمات دولية”، حسب مصدرنا.
ورأى أن “تغيير قواعد الاشتباك بالنسبة للمدنيين والأطراف الثورية سيكون له تداعيات خطيرة ويعتقدون بأنهم سيلاقون ذات المصير من قصف ممنهج للميليشيات الإيرانية والنظام السوري، إضافة لغارات سلاح الجو الروسي وتصبح المنطقة مستباحة بعد وسمها بالإرهاب”.
وأسفرت المواجهات بحسب مصادر أهلية، عن مقتل 4 مدنيين وإصابة آخرين في حصيلة أولية، وسط المخاوف التي يعيشها بالأخص قاطنو المخيمات لقربها من ساحة الاقتتال.
من جهته، الباحث السياسي “رشيد الحوراني” قال لمنصة SY24، إن “الهدف برأي السيطرة على كامل المنطقة في شمال غرب سوريا بعد فشل الفصائل في إدارتها، في الوقت التي تسيطر الهيئة على إدلب وتنشأ مؤسسات خدمية ولا يوجد فيها خلخلة بالأمن بالمستوى الموجود في مناطق الفصائل”.
وسبق تلك الاشتباكات توتر أمني غير مسبوق شهدته مدينة “الباب” شرقي حلب، والتي كان عنوانه الأبرز جريمة اغتيال راح ضحيتها أحد النشطاء الإعلاميين البارزين في المدينة ويدعى “محمد أبو غنوم” مع زوجته وجنينها، بعد أن أقدم مسلحون مجهولون على استهدافه مساء الجمعة. الماضي.
واعتبر مراقبون أن بعض الفصائل العسكرية العاملة على الأرض استغلت هذه الجريمة، لتكون الشرارة الأولى وراء اندلاع الاقتتال الداخلي، حسب تعبيرهم.
الباحث في مركز جسور للدراسات “وائل علوان” قال لمنصة SY24، إن “ما حصل بعد مقتل الناشط (أبو غنوم) وتسارع الصراع بهذه الطريقة يثبت أن الأطراف جميعها تُجهز لهذا الصراع الحاصل، وكانت هذه الجريمة وسرعة الكشف عن الجناة هي الشرارة التي أدت لبدء صراع يحضر له منذ أشهر من كلا الطرفين”.
وأضاف “المقصود بكلا الطرفين هما: مشروع الفيلق الثالث الذي انضمت له حركة البناء والتحرير، وطرف ثاني هو هيئة التحرير الشام والتي تعد فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه من أبرز حلفائها، إضافة إلى العدو التقليدي للفيلق الثالث وهم الفرقة 23 أو (أحرار الشام)، لذلك فالصراع اليوم هو ما بين هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث”.
وأكد أن “السبب الحقيقي للصراع الدائر حالياً هو صراع وجود وليس صراع النفوذ، فالجولاني يريد أن يحول شركاؤه المحليين في مناطق الجيش الوطني (الحمزات والعمشات) إلى تجمع قوي مدعوم من الهيئة ويكون موازيا من حيث القوة للفيلق الثالث”.
وأشار إلى أن “هناك مكاسب اقتصادية كبيرة من خلال توجه الهيئة صوب المعابر، كما أن الجولاني يريد أن يخلق معادلة جديدة في المناطق المحررة شمالي حلب من خلال تعزيز قوة شركاء موجودين على قطاعات واسعة وبدعم من الجولاني”.
وعن السيناريو المتوقع لاحقاً، أعرب “علوان” عن اعتقاده بأن “الهيئة ستنسحب مستقبلاً من هذه المناطق التي دخلت إليها، ولكن بعد أن تكون قد عملت على تقوية حلفائها (الحمزات والعمشات)، إذ إن الشراكة مع هؤلاء الحلفاء مبينة على مصالح اقتصادية وأمنية في آنٍ واحد”.
وشهدت شوارع “عفرين” بعد ظهر يوم الخميس، تجول أرتال عسكرية لهيئة تحرير الشام، تتضمن دبابات وآليات وأسلحة متوسطة وثقيلة.
وفي سياق الأحداث الدائرة شمالي سوريا، أكد مدير الدفاع المدني السوري “رائد الصالح”، أن فرقهم تقوم حالياً بالاستجابة لنداءات الاستغاثة التي يطلقها المدنيون العالقون بمناطق الاشتباك في ريف حلب، مطالباً كافة الأطراف بتيسير عمل فرق الإسعاف وعدم منعها من الوصول للمصابين، وتحييد المدنيين وتسهيل عمل الكوادر الإنسانية.