ازدياد مرعب في ظاهرة عمالة الأطفال في الشمال السوري، ولاسيما في ورش العمل والأماكن الأكثر خطراً على صحتهم وبنيتهم الجسدية الغضة، نتيجة تسرب عدد كبير من التعليم، والتوجه نحو سوق العمل في سن مبكرة، بعدما أغلقت بعض المدارس أبوابها أمام الطلاب هذا العام بسبب توقف الدعم عنها.
منصة SY24 رصدت وجود عدد من الشبان والأطفال، منهم المهجرين والنازحين من مختلف المحافظات السورية، الذين لجؤوا إلى العمل في ورشة لصناعة المدافئ من خلال إعادة تدوير البراميل التالفة.
يقول الشاب “ياسر عبد الجواد” أحد العاملين في الورشة إنهم بدؤوا العمل في تصنيع المدافئ من البراميل القديمة منذ أربع سنوات، والتي ترتبط في ذاكرة السوريين ببراميل الموت، التي كان ومازال النظام السوري يستهدف بها المدنيين والأطفال، يخبرنا أنهم “يحولوها اليوم إلى وسيلة تدفئة بدلاً من وسيلة الموت”.
تستخدم البراميل كمادة أولية في صناعة مدافئ متوسطة الجودة، وبأسعار مناسبة للأهالي، بعيداً عن تحكم التجار بأسعار المدافئ تزامناً مع قدوم الشتاء، إذ تبلغ تكلفة المدفأة الواحدة 6 دولارات فقط، في حين يبلغ ثمن أي مدفأة في السوق بين 50 _100 دولار حسب نوعها وجودتها، يقول صاحب الورشة، إنها “تناسب دخل المواطن المحدود والنازح والفقير، الذي لا يستطيع شراء مدافئ مرتفعة السعر بسبب الظروف المعيشية المتردية”.
يعمل في الورشة أربعة أطفال دون الـ 11 من عمرهم، وثلاثة شبان يافعين تجمعهم ورش العمل الشاقة، بدلاً من مقاعد الدراسة، يحملون الصفائح الحديدية لإعادة تديرها، عوضاً عن حمل أقلامهم و دفاترهم، أطفال وشبان يافعين، يقضون يومهم في ورش العمل لمساعدة ذويهم في تأمين لقمة العيش، دون الاكتراث إلى مستقبلهم الذي يسرق منهم، وطفولتهم البالية على وقع أدوات الحدادة والتصفيح.
تعزو الناشطة الإنسانية “أحلام الرشيد” في حديث خاص مع SY24 أبرز أسباب انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في المنطقة، للحرب والنزوح والفقر، وإغلاق عدد من المدارس، وضعف بنية التعليم بشكل عام، الذي أدت إلى زيادة ظاهرة التسرب المدرسي.
تُظهر الصور الملتقطة بعدسة مراسلنا “رامي السيد”، بيئة العمل غير الآمنة، والمتعبة والخطيرة أيضاً، التي يعيشها الأطفال، مع احتمال تعرضهم لخطر أدوات العمل، كتطاير الشرر الناري إلى عيونهم، وحملهم قطع حديدية ثقيلة، ووقوفهم ساعات طويلة أثناء العمل، كل ذلك مقابل أجر زهيد لا يكفي ثمن وجبة طعام ليوم واحد!.
تشير “الرشيد” إلى آثار عمالة الأطفال على صحة الطفل، إذ يتأثر التطور المعرفي لديه بعد تركه المدرسة، وتوجهه نحو العمل، فتنخفض قدرته على القراءة والكتابة والحساب، كما تتأثر صحته من ناحية التناسق العضوي، وتزيد احتمالية إصابته بجروح خطيرة وكدمات جسدية أو الوقوع من أماكن مرتفعة.
مراسلنا زار الورشة، والتقى الطفل “محمد” 10 أعوام، أحد عمال الورشة، مهجر من مدينة حلب، ويسكن في “الأتارب” مع عائلته، يعمل هنا منذ مدة، لمساعدة والده المريض، يقف أكثر من عشر ساعات متواصلة، يتخللها ساعة استراحة غداء، ولكنه مضطر للعمل من أجل عائلته يقول إنه يتمنى أن تنتهي الحرب، ويعود إلى بيته ومدرسته.
لا حلول جدية تلوح في الأفق، تقول “الرشيد” إنه: “للقضاء على الظاهرة يجب التعاون بين جميع القطاعات وفق خطة قصيرة المدى، تستهدف تنظيم عمالة الأطفال، وتقديم الدعم المباشر لأسرهم، والمساهمة في عودتهم إلى المدارس، وزيادة حملات الوعي والتثقيف والتحذير من انعكاسات عمالة الطفل عليه وعلى المجتمع”.
إضافة إلى توسيع برامج التدريب والتعليم المهني لفئة الشباب، وتنظيم حملات من قبل صانعي القرار والمشاريع السياسية وأصحاب العمل والآباء بشأن حقوق الطفل وإيجاد مشاريع عملية جادة لذوي الأطفال.
وكانت منظمة وحدة تنسيق الدعم “ACU” بالتشارك مع 22 منظمة عاملة شمال غرب سوريا، قد كشفت عن عدد الأطفال المتسربين من المدارس، من خلال دراسة لها جرت في شهر آذار من العام الجاري، وبلغ عدد الأطفال في سنّ المدرسة ضمن المناطق التي شملتها الدراسة 450,835,1 طفلاً، 44 بالمئة منهم خارج المدرسة، أي ما يعادل 518,815 قسماً لم يلتحقوا بالمدرسة مطلقاً والقسم الآخر انقطعوا عنها بعد التحاقهم بفترة قصيرة.