شهدت معظم المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” في شمال شرقي سوريا، ارتفاعا واضحا في عدد حوادث الاقتتال العشائري، والتي تسببت خلال السنوات الخمس الماضية بوقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، ناهيك عن تهجير العشرات منهم خارج المنطقة خوفاً من عمليات الثأر التي من الممكن أن تشعل فتيل اشتباكات مسلحة قد لا تتوقف في الوقت الراهن.
إذ تكررت هذه الحوادث بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على المنطقة، عقب هزيمة تنظيم داعش على يدها بمشاركة قوات التحالف الدولي، ما خلق فراغاً أمنياً كبيراً لم تستطع فيه “قسد” ملؤه لخشيتها الدخول في “معترك الصراعات العشائرية بين أبناء المنطقة”، لعدم امتلاك قادتها أي خبرة في إدارة النزاعات القبلية والسلم الأهلي والمجتمعي.
الأستاذ “عبد السلام الحسين”، اعتبر أن السبب الأول والرئيسي لحوادث الاقتتال العشائري هو “الانفلات الأمني الذي تعيشه مناطق قسد وعدم ثقة الأهالي بالأجهزة الأمنية والمؤسسات القضائية التابعة لها”، معتبراً أن النزاع القبلي في المنطقة “لا يصب في مصلحتها لتخوفها من مشاركة عناصرها من المكون العربي بهذه النزاعات وتحولها لطرف فيها، ما دفعها لتجاهلها وعدم التدخل في حلها”.
وقال في حديثه لمنصة SY24، إنه “يمكن لقسد الحد من هذه الموضوع عبر تركيز الجهات الأمنية التابعة لها على هذا الملف بشكل أكبر والتعامل معه بصرامة وبشكل فعال، وذلك بالتنسيق بينها وبين المجالس العسكرية والمدنية والعشائرية المتواجدة في المنطقة”.
وأضاف أن “هذه الحوادث يمكن أن تتسبب في تفكيك المجتمع عبر انتشار الفوضى والسلاح بيد أبنائها باعتبار أن هذه الظواهر مرتبطة مع بعضها البعض، ما قد يؤدي إلى خلل في المجتمع العشائري الذي يعد العمود الأساسي والرئيسي للمنطقة ما قد يزيد من حالة الإنفلات والفوضى”.
فيما استبعد الأستاذ “عبد السلام”، أن يكون للنظام والميليشيات الإيرانية الموالية له أي دور في اشتعال فتيل الاقتتال العشائري في المنطقة، إلا أن هذا الشيء “يصب في مصلحة النظام الذي يسعى للسيطرة على المنطقة مستقبلاً”، على حد تعبيره.
من جهته، أشار الناشط المحلي “عدنان المحمد” إلى أن “عدم وجود سلطة رسمية تحاسب المخطئ وتعيد الحقوق لأصحابها أدى إلى انتشار حوادث الاقتتال العشائري في مناطق ريف ديرالزور، حيث اعتقد كل شخص أنه قادر على أخذ حقه بيده وبقوة السلاح”، على حد وصفه.
وقال الناشط “عدنان المحمد” في حديث خاص مع منصة SY24، إن “النزاع المسلح يحدث أحيانا بين عائلتين للسيطرة على المعابر النهرية غير النظامية مع مناطق النظام وتضمين آبار النفط، بينما تحدثت أغلب مشاكل الاقتتال بسبب الخلاف على الأراضي”.
وأضاف أن “عدم وجود سلطة تعاقب المسيئ أو تفصل بين الطرفين يدفع الناس لاستخدام السلاح، وهنا تبدأ سلسلة لاتنتهي من القتل، حيث يتم قتل شخص من قبل طرف فيرد الطرف الثاني بقتل شخص أو أكثر من الطرف الأول، ليعود الطرف الأول ويقتل شخص أو أكثر من الطرف الثاني وهكذا في سلسلة من القتل قد لا تنتهي بعشرات السنين”.
وأوضح “المحمد”، أن “الحل الجذري لهذه الظاهرة هي وجود سلطة وقوانين تعاقب المخطئ والمجرم وتفصل بين الناس، وتكون هذه السلطة عادلة وذات قوة تفرض حلولها بقوتها إذا اقتضى الأمر، ومن ثم سن قوانين وإجراءات مشددة على اقتناء السلاح وانتشاره وخاصة بين الشباب”.
الصحفي السوري “محمد الجاسم”، ذكر أن “الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ الذي تعاني منه مناطق سيطرة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، دفعت الأهالي إلى البحث عن وسائل أخرى للعيش أو حتى التمسك بما يملكونه بالقوة، وهو ما تسبب بوقوع صدامات بين الأهالي إن كان على سقاية الأراضي الزراعية أو على طوابير الخبز والمحروقات، ما أدى إلى وقوع قتلى أشعلت نيران الاقتتال العشائري”.
وأفاد “الجاسم” في حديث خاص، بأنه “قبل دخول قسد إلى المنطقة استطاع تنظيم داعش استمالة العشائر لصالحه عبر إنشاء ديوان خاص بها، ووضع ممثل له داخلها يمتلك سلطة واسعة وقريب من الأهالي بهدف منع حدوث أي اقتتال عشائري في المنطقة وحل أي نزاع بطريقة سليمة، مهدداً في الوقت ذاته بالضرب بيد من حديد لكل مخالف مستغلة حالة الخوف التي زرعتها بين الأهالي بعد ارتكابها العديد من المجازر، كان أبرزها مجزرة عشيرة الشعيطات”.
وأضاف أن “اليوم قسد لا تملك الجرأة لفعل مثل ذلك لعدة أسباب أولها عدم اكتراثها بما يحدث في المنطقة الشرقية، وحصر اهتمامها بتأمين طرق التهريب إلى مناطق النظام والحصول على عائدات حقول النفط، وتنفيذ عمليات أمنية ضد كل من يعارضها مع تحريك المئات من عناصرها من أجل ذلك، في الوقت الذي تمتنع فيه عن إيقاف أي نزاع قبلي يحدث في المنطقة”.
وأشار إلى أنه “لا يوجد حل واضح لظاهرة الاقتتال العشائري إلا بوجود سلطة حقيقية تعمل على محاسبة كل شخص ارتكب جريمة بحق الآخرين وتنفيذ هذه الأحكام بشكل علني وأمام المواطنين، وتعويض الضحايا الذين فقدوا معيلهم الوحيد، بالإضافة إلى ضبط السلاح وتقنينه بشكل أكبر وعدم السماح لمن يمتلك تاريخ في المشاجرات باقتناء أسلحة نارية أو حتى بيضاء”.
وبسبب عدم وجود إحصائيات رسمية من المؤسسات التابعة لـ “الإدارة الذاتية”، يبقى عدد ضحايا الاقتتال العشائري شرقي سوريا، غير دقيق، إلا أن مصادر محلية قدرت عددهم بأكثر من 500 شخص لقوا حتفهم جراء هذه النزاعات، فيما قتل وأصيب العشرات من المدنيين بينهم نساء واطفال جراء تعرضهم لطلقات نارية طائشة جراء اندلاع هذه الاشتباكات داخل الأحياء السكنية، فيما تم تشريد عدد كبير من الأهالي من منازلهم.