ترسل “سميرة” 42 عاماً، أطفالها الأربعة صباحا، لجمع علب الكرتون والمواد البلاستيكية، وكل ما يمكن العثور عليه الشارع وقابل للاحتراق، لتتمكن من إشعال نار المدفأة داخل خيمتها في محاولة منها، لتأمين الدفء بأي وسيلة كانت لأطفالها.
تخبرنا “سميرة” في حديثها إلينا، أن ظروفها المعيشية المتردية، وعجزها عن شراء مواد التدفئة كالحطب أو المازوت، بسبب غلاء أسعارها، أجبرها على استخدام مخلفات المواد البلاستيكية والأحذية البالية، وبعض أعواد الخشب الصغيرة في المدفأة، رغم أنها تعرف الآثار السلبية التي تنتج عن حرق هذه المواد في المدفأة.
“مافي باليد حيلة” تقول “سميرة”، وهي أرملة تعيش مع أطفالها الأربعة الصغار، أكبرهم لايتجاوز الثالثة عشرة من عمره، أنها تشعر بالذنب حين يذهب أطفالها إلى الشوراع والأراضي الزراعية القريبة من مخيمهم في منطقة “كفر لوسين” شمالي إدلب، لجمع كمية من مختلف المواد المرمية على الطرقات، حيث يعود الأطفال بعد البحث لساعات طويلة وقد حملوا على ظهورهم الصغيرة أكياساً مليئة بعلب “الكولا” الفارغة، وأكياس النايلون ومواد أخرى، كـ “غنيمة” حصلوا عليها بعد جهد وتعب.
حال السيدة “سميرة” وأطفالها، تحاكي حال مئات الأسر ذات الدخل المحدود في الشمال السوري، بعد أن استقر بهم النزوح والتهجير في مخيمات لا تقِ حر الصيف ولا برد الشتاء.
قبل سنوات، نزحت “سميرة” بعد أن قتل زوجها بقصف طال منزلهم، في ريف إدلب الجنوبي، إلى المخيم الذي تقطن فيه اليوم مع أطفالها، ومع كل شتاء تتجدد معاناتهم المستمرة منذ نزوحهم، وتعجز مثل كثير من العائلات عن توفير مستلزمات الدفء الأساسية.
لا تنته معاناة العوائل في الشتاء بتأمين مواد التدفئة فحسب، بل إن الأمراض الصدرية التي تلحق بهم ولاسيما الأطفال وكبار السن منهم، جراء اعتمادهم على بقايا النايلون والمواد الأخرى الضارة غير المخصصة للتدفئة، نتيجة انبعاث الغازات السامة في المنزل أو الخيمة، تسبب لهم أمراضاً تنفسية خطيرة على العائلة وخاصة الأطفال ومرضى “الربو” .
إذ يحذر الطبيب “زهير فجر” أخصائي أمراض صدرية، من استخدام اللدائن وبقايا النايلون و البلاستيك في التدفئة، كونه يسبب أضرار كبيرة في الصحة العامة والجهاز التنفسي والقلبي، جراء استنشاق الغازات السامة والأبخرة المنبعثة خلال عملية الاحتراق.
وأوضح “الطبيب” في حديث خاص لمنصة SY24، أن معظم حالات المرضى هي بسبب استنشاق تلك الغازات.
يفتح فصل الشتاء في كل عام، معاناة متجددة لمئات الآلاف من المدنيين في محافظة إدلب وريفها، ومناطق المخيمات التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، بالوقت الذي يسكن في المنطقة حوالي أربعة ملايين شخص، نصفهم يقطنون في المخيمات.