” كل يوم أرى المساحات الخضراء تتناقص في أرضي التي من المفروض أن تدر عليَّ الآن الكثير من الأموال، لكنها تحولت إلى عبئ جديد يضاف إلى الأعباء التي أثقلت كاهلي وكاهل بقية المزارعين في المنطقة”.
بهذه الكلمات وصف العم “حسن”، وهو ستيني من مدينة الشحيل في ريف ديرالزور الشرقي، وصف الوضع الذي تعاني منه أرضه الزراعية الموجودة بالقرب من الضفة اليسرى لنهر الفرات، نتيجة تسرب كميات كبيرة من النفط والمحروقات إلى السرير النهري والتلوث الشديد الذي أصاب مياه النهر وايضاً جميع الأراضي الزراعية التي يسقيها.
في حديثه لمراسل منصة SY24 قال العم “حسن”: “تتكون أرضي من 50 دونم تقريباً وكانت تدر علي في أسوأ المواسم الزراعية الكثير من الأموال، أما الآن فإنها باتت تشكل عبئاً علي وعلى بقية أفراد الأسرة، التي تعمل ليلاً نهاراً في محاولة زراعتها وتحصيل أكبر قدر من الربح الذي يمكننا من العودة إلى ما كنا عليه سابقاً”.
وتابع: “تعرضت مياه نهر الفرات إلى تلوث غير مسبوق بسبب تسرب كميات هائلة من النفط والمازوت إليه، نتيجة عمليات التهريب غير الشرعي التي تتم بين مناطق قسد ومناطق النظام عند المعابر النهرية غير النظامية المتواجدة في المنطقة، ما أدى إلى انتقال الضرر بشكل مباشر إلى الأراضي الزراعية المتواجدة على السرير النهري”.
وأضاف “كنت أزرع أرضي كاملةً في وقتٍ سابق ولكني الآن لا أزرع سوى 10% من مساحتها لعدم توفر المياه النظيفة الكافية لزراعتها بالكامل، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الزراعة والسماد وغيره من المستلزمات الأساسية لنجاح أي موسم، وأيضاً انتقالي لزراعة الخضار الموسمية كونها باتت تدر أموالاً أكثر من المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير والقطن، والتي يتم شراؤها من قبل الإدارة الذاتية بأسعار منخفضة”.
وتعد ظاهرة تلوث مياه نهر الفرات بالمشتقات النفطية من أخطر الظواهر المهددة للحياة البرية والنهرية في المناطق التي يمر بها في ريف ديرالزور، سواءً الخاضعة لسيطرة قوات النظام أو ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية”، ناهيك عن تسبب هذا التلوث بانتشار أمراض وأوبئة قاتلة مثل مرض الكوليرا الذي أصاب المئات من أبناء المنطقة وتسبب بوفاة العشرات منهم.
وبحسب مصادر محلية، فإن هذه الظاهرة تتركز بالقرب من المعابر النهرية غير الشرعية في كل من بلدات الجنينة في الريف الغربي والشحيل وذيبان والباغوز في الريف الشرقي لدير الزور، حيث تتم عمليات التهريب عبر أنابيب غير محكمة يتم مدها من مناطق “قسد” إلى مناطق النظام ما ينتج عنه تسرب قسم من هذه المواد إلى النهر والتسبب تلوث مياهه.
“أبو عمر”، من سكان مدينة الصبحة وأحد العاملين السابقين في تهريب النفط، ذكر أن “جميع عمليات نقل النفط ومشتقاته إلى مناطق النظام غير آمنة، إذ يؤدي النقل بالأنابيب بتسرب قسم منه إلى مياه النهر إلا أن ذلك أقل ضرراً من النقل بالعبارات النهرية التي يتسبب غرق الواحدة منها إلى تلوث كبير في المنطقة ربما يحتاج لسنوات من أجل التخفيف من آثاره”، على حد وصفه.
وقال في حديثه لمراسل منصة SY24 في ريف ديرالزور: إن “عمليات التهريب تدر أموالاً طائلة على المهربين لهذا فهم لا يكترثون فعلياً بالحياة النهرية أو تلوث المياه او غيرها من المشاكل التي يسببها تسرب المشتقات النفطية، ناهيك عن الأخطار الاخرى المحدقة بالمنطقة من انتقال التلوث إلى الأراضي الزراعية التي باتت تتناقص مساحتها شيئاً فشيئاً”.
وأضاف أن “اليوم نرى المساحات الخضراء التي كنا نعهدها على سرير نهر الفرات قد تحولت إلى ساحات سوداء بسبب بقع النفط والمازوت المتسربة من العبارات والأنابيب، ما أدى إلى تضرر أصحاب هذه الأراضي الذين اضطروا إلى زراعة قسم من البادية وبتكلفة أكبر لتعويض خسائرهم في أرضهم”.
من دورها، تستمر “قوات سوريا الديمقراطية” مدعومةً بقوات التحالف الدولي بمداهمة معابر التهريب غير الشرعية الواصلة بين مناطقها ومناطق النظام السوري في ريف ديرالزور الشرقي، وإحراق الشحنات المعدة للتهريب على السرير النهري وعلى الطرقات المؤدية إليه، وذلك بهدف “الحد من عمليات التهريب وإيقاف إمداد النظام بالمشتقات النفطية لمنع حدوث أي أزمات في المحروقات في المنطقة”، على حد قولها.
فيما تواصل “الإدارة الذاتية” إمداد النظام بالنفط والمحروقات بشكل مباشر وعلني عن طريق شركة “القاطرجي” الموالية لإيران، والتي تقوم بنقل المحروقات من مدينة الحسكة إلى الرقة ومنها إلى الداخل السوري الواقع تحت سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية الموالية له، بالرغم من أزمة المحروقات الكبيرة التي تعاني منها المنطقة وبالذات مع دخول فصل الشتاء وازدياد الطلب عليها وبالذات المازوت المخصص للتدفئة.