يوم أمس، انتهكت واشنطن وحليفاتها لندن وباريس سيادة نظام الأسد، وقصفت عدة مواقع داخل سوريا بالصواريخ الحديثة والذكية، كما وصفها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، ومن تابع مجريات هذا الحدث قد يقتله الضحك من طريقة تعاطي النظام مع هذا الأمر، والذي يفترض أن يعده بـ”الاعتداء السافر”، إلا أنه اعتبره بـ”النصر المبين” والهزيمة الساحقة لقوى “العدوان الثلاثي”، فاحتفلت وسائل الإعلام وسيقت القطعان البشرية إلى الساحات والشوارع حاملة صور القائد المغوار والأعلام الروسية والإيرانية بميلشياتها المتعددة، رغم أن أصحاب هذه الصور والأعلام مارسوا وضعية المزهرية أثناء الضربة ولم يحركوا ساكناً.
ومع أن الاعتداء وتدمير العديد من المواقع التابعة للنظام واضحة وضوح الشمس، إلا أنه قد يحق لهذا النظام الاحتفال والفرح لعدة أسباب، يكمن أولها في أنه لم يتوقع حجم هذا الرد الخجول من المجتمع الدولي، فالجميع توعد بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال تم تجاوز الخط الأحمر، كما أن تصريحات “دونالد ترامب” تفسر بأنه لن يبق من المجرمين أحدا، بعد ممارسة حملة نفسية شنها على موقع “تويتر” لمدة أسبوع، لكنها في النهاية وبعد إنجازها تبين أنها زوبعة في فنجان ولتسخين ماء الوجه لا أكثر.
أما السبب الثاني الذي يستدعي منهم الاحتفال هو حصولهم على رخصة جديدة من المجتمع الدولي لمواصلة قتل الشعب السوري باستخدام البراميل والصواريخ والقنابل الفسفورية والعنقودية بعيدا عن استخدام الكيماوي، فهو سلاح قد تصل أثاره إلى بلادهم أو إلى حلفائهم المجاورين لسوريا، أما بقية الأنواع التي تبقى أثارها داخل الحدود السورية هي جائزة في عرفهم، ولا ضير في أن يقتل مليون سوري بالسلاح التقليدي ولا ضير في تجويع مدن كاملة بالحصار ولا ضير بتهجير عشرات المناطق قسراً، هذه لا تعد جرائم حرب بقدر السلاح الكيماوي الذي بات يتمناه الشعب السوري لأنه يبقي جثث قتلاهم كما هي ولا يجعلهم يبحثون عن الأشلاء في الشوارع والأزقة كما يحدث بعد قصف البراميل.
أيا كانت الأسباب، فإن نظام الأسد اعتاد على التزييف وتشويه الحقائق، وعار على مواليه تصديقه، فمنذ تسلم حافظ الأسد سلطة الجيش، حدثت نكسة عام 1967 وما جرت من خسارة الجولان وقتل مئات الجنود السوريين، لكنه روج حينها لدعاية النصر الكاسح، لأن النصر بحسب رأيه لا يقاس بخسارة الأرض وإنما يقاس فيما إذا حقق المعتدي أهدافه أم فشل وبما أن إسرائيل فشلت بتحقيق أهدافها بإسقاط النظام وإقامة حكومة عميلة فهذا هو النصر الكبير!، وبعدها هذه النكسة جرت عشرات الحروب الاستعراضية كحرب تشرين التي فرض فيها حافظ الأسد نفسه كبطل وهو ما ساعده على تثبيت حكمه، وسار على نفس السياسة ابنه الوريث للسلطة والفكر والإجرام والحضانة الدولية.
يدعى نظام الأسد دعمه لفكرة القومية العربية وهو يرتمي في الأحضان الإيرانية وينصرها على أشقائه العرب، كما أنه يحسب نفسه على قائمة محاربي الإرهاب وهو من أنشأ ودعم المنظمات الإرهابية كحزب الله اللبناني والمجموعات الجهادية التي كانت تذهب للعراق ومثلها منظمات كان وراء ظهورها في سوريا، لتشويه صورة ثورة الكرامة التي أطلقها الشعب للتخلص من حكمه الديكتاتوري، ومن أمثلة كذبه لصق عبارة المقاومة على جبينه في الوقت الذي يعربد فيه الطيران الإسرائيلي في طول البلاد وعرضها ويقصف ما يحلو له من الأهداف العسكرية.
عند الأنظمة التي تحترم نفسها وتحترم شعوبها، تقرع طبول الحرب ويعلن النفير العام، في حال تم الاعتداء على سيادة البلد الذي تحكمه، وإن كانت غير قادرة على حماية حدود الوطن تغادر السلطة بعد اعتذارها للشعب، لا كما الحالة السورية، التي يحاول فيها بشار الأسد جعل هزيمته نصراً، وتسمية تبعيته لروسيا وإيران بالشراكة والحلف، والأكبر من هذا تدمير البلد بأكمله تحت مسمى محاربة “المؤامرة الكونية”.