تعاني مناطق سيطرة النظام في ديرالزور من أزمة محروقات خانقة تسببت بتعطل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المدينة بشكل كامل، مع توقف عدد كبير من المعامل والورشات عن العمل نتيجة انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، بالإضافة إلى الشلل الذي أصاب قطاع المواصلات وتوقف جميع حافلات النقل الداخلي العامة والخاصة عن العمل، وأيضاً تعطل حركة نقل البضائع إلى المدينة.
الأضرار الجسيمة التي سببها نقص المحروقات بمناطق النظام انعكست سلباً على حياة المواطن العادي، نتيجة ارتفاع أسعار البضائع التجارية والسلع الغذائية بنسبة تعدت الـ 70% في ظل تدهور الليرة السورية التي وصلت إلى أكثر من 6000 ليرة مقابل الدولار الواحد، ما أثقل كاهل المواطنين وخاصة الموظفين في المؤسسات الحكومية، في ظل انخفاض درجات الحرارة وزيادة الطلب على المشتقات النفطية.
الميليشيات المحلية الموالية للنظام السوري استغلت أزمة المحروقات الحادة التي تعاني منها مناطق سيطرتهم لزيادة نفوذها وتوسيع ثروة قادتها، عبر احتكار عمليات نقل وتهريب المحروقات إلى مناطق النظام وتخزين كميات كبيرة منها في مستودعاتهم الخاصة، وبيعها بالتدريج إلى التجار المحليين وبأسعار وصفت بـ “الخيالية”، لتحقيق أكبر قدر من الربح المادي في أسرع وقت.
وفي ظل أزمة المحروقات الحادة التي تعاني منها مناطق النظام في ديرالزور، استطاعت ميليشيا “القاطرجي” بسط نفوذها على معظم المعابر النهرية غير الشرعية مع مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على الضفة الشرقية لنهر الفرات، والمستخدمة لتهريب المشتقات النفطية والبضائع والسلع التجارية بالتعاون مع ميليشيا “الفرقة الرابعة” في جيش النظام.
حيث طردت ميليشيا “القاطرجي” المعروفة باسم “ميليشيا البترول”، جميع الميليشيات المحلية من المعابر النهرية مع مناطق “قسد” وبسطت سيطرتها عليها بشكل كامل، كما قامت بالسيطرة على الحواجز والنقاط العسكرية المؤدية إليها، ومنعت بقية الميليشيات من العمل في نقل المحروقات إلى الداخل السوري بشكل تام، ما عدا بعض الميليشيات الموالية لإيران التي بقيت في هذه المعابر لنقل المخدرات والأسلحة إلى مناطق “قسد”.
سيطرة ميليشا “القاطرجي” على معظم المعابر النهرية المستخدمة في عمليات نقل المحروقات من مناطق “قسد” أثار حفيظة عدد من قادة الميليشيات المحلية وخاصة ميلشيا “الدفاع الوطني” وميليشيا “حمشو”، وذلك بعد قيام الفرقة الرابعة بطردها من نقاطها العسكرية عند معبر “بقرص” النهري في ريف ديرالزور الشرقي، وأيضاً من معبر “البغيلية – الجنينة” بريف ديرالزور الغربي، بالإضافة إلى منع عناصر هذه الميليشيات من الاقتراب من هذه المعابر بشكل كامل وإجبارهم على تسليم حواجزهم إلى ميليشيا الفرقة الرابعة والأمن العسكري.
الصراع بين الميليشيات على عمليات تهريب المحروقات والمشتقات النفطية من مناطق “قسد” أثر بشكل كبير على حياة المواطن في مدينة ديرالزور، حيث بلغ سعر لتر المازوت حوالي 12 ألف ليرة سورية، فيما وصل سعر لتر البنزين لأكثر من 18 ألف ليرة، فيما ارتفعت أسعار بقية المشتقات النفطية من غاز وكاز إلى الضعف، ما خلق أزمة كبيرة تسببت بتعطل الحياة في المدينة بشكل تام.
“أحمد”، من سكان حي القصور في مدينة ديرالزور ومقرب من أحد قادة ميليشيا الدفاع الوطني ، ذكر أن “ديرالزور اليوم باتت أقرب إلى مدينة أشباح بسبب شح المشتقات النفطية وتوقف حركة المواصلات الخاصة والعامة في المدينة، بالإضافة إلى قيام اصحاب المحال التجارية بإيقاف تشغيل المولدات الكهربائية بسبب شح المحروقات وغلاء ثمنها مع انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي، ما جعل المدينة تغرق في ظلام دامس لساعات طويلة “، على حد قوله.
وقال في حديث خاص مع مراسل منصة SY24 في ديرالزور: “لا نجد سوى سيارات المليشيات الإيرانية والمحلية تدور في شوارع المدينة، بينما توقفت باقي المواصلات الخاصة والعامة عن الحركة نتيجة شح المحروقات، كما توقفت العديد من الورشات الصغيرة التي تعتمد على الكهرباء عن العمل بشكل تام، ما سبب خسائر مادية كبيرة للمواطنين وخاصة من يمتلك بضاعة تحتاج لبرادات مثل اللحوم والدجاج وبعض أنواع الخضار، والتي قد تتعرض للتلف حال لم يتم بيعها في أقرب وقت”.
وأضاف أن “صراع المليشيات المسلحة فيما بينها أثر علينا بشكل تام ونخشى أن ينتقل الصراع الاقتصادي إلى صراع مسلح، لأن عناصر ميليشيا الدفاع وقادتهم باتوا يحملون حقداً كبيراً على الفرقة الرابعة والقاطرجي لأنهم احتكروا تهريب المحروقات، فيما تبقى الميليشيات الإيرانية على الحياد لأنها مخصصة لنقل المخدرات والأسلحة فقط وتمتلك مشروعها الخاص ولا تهتم كثيراً بالمشتقات النفطية، لأنها تحصل عليها من العراق بشكل مستمر”.
وأوضح أنه “خلال أيام سنرى آثار أزمة المحروقات تظهر على السطح لأن الأهالي وبما فيهم عناصر ميليشيا الدفاع الوطني، يعيشون ظروفاً معيشية صعبة بينما يتنعم قادة القاطرجي والأفرع الأمنية بالكهرباء من المولدات الضخمة التي يملكونها، والدفئ من المازوت الوفير الوجود في مستودعاتهم”.
يشار إلى أن ميليشيا “القاطرجي” تعتبر المورد الرئيسي للمحروقات للنظام السوري منذ فترة سيطرة تنظيم داعش على حقول النفط شرقي سوريا، وقيامها بعقد صفقات وصفت بـ “المشبوهة” مع قيادات التنظيم، واستمرت بعملها في نقل المحروقات إلى مناطق النظام بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” على المنطقة، على الرغم من توقف عمليات النقل في أكثر من مرة نتيجة التوترات الكبيرة فيما بينهم على خلفية قيام النظام بحصار الأحياء التي تسيطر عليها “قسد” في حلب ومنع دخول البضائع والسلع إليها.