استغنى عدد من الأهالي في شمالي سوريا هذا العام، عن مدافئ المازوت وقشر الفستق والحطب، وهي أكثر وسائل التدفئة المستخدمة في المنطقة، لأن الأسعار المرتفعة لهذه المواد، جعلت كثيرين منهم يتخلى عنها ويبحث عن وسائل بديلة بأقل تكلفة مهما بلغت أضرارها.
“أبو محمود الشامي” 38 عام، مهجر من ريف دمشق قبل ست سنوات، صاحب ورشة تصليح وصيانة دراجات نارية في قرية “نحليا” بريف إدلب، كان واحداً من الأهالي الذين استغنوا عن مدافئ الحطب وقشور اللوزيات، وحاول استبدلها بمدفأة أخرى من صنع يديه تعمل على زيت السيارات المستعمل، أي ما يعرف شعبياً باسم “الزيت المحروق”.
وهو زيت السيارات والدراجات النارية المستهلك، يوضع في مدفأة مصنوعة خصيصاً له، بمعايير وطريقة محددة، للحصول على الدفء المطلوب بأقل تكلفة ممكنة
في ورشته الصغيرة، تتبعثر أدوات العدة، وإطارات كثيرة، وقطع تصليح للدراجات النارية، هناك وسط هذه الفوضى، تموضعت مدفأة صغيرة الحجم، غريبة الشكل، تتصاعد منها الهبة النار، تشتعل غيضاً كأنها تحرق نفسها، أعطت دفء كبيراً للورشة، كانت هذه المدفأة الثانية التي يصنعها “الشامي” ووضعها في الورشة، وكان قد صنع واحدة قبلها للمنزل.
مراسلة SY24 تواصلت مع “الشامي” ليحدثنا أكثر عن طريقة صنعه للمدفأة ، وكيف أصبح زيت السيارات المحروق، مادة جديدة يعتمد عليها عدد من الأهالي في إدلب.
حيث قال في حديثه مع المراسلة، إن “أسعار مواد التدفئة المرتفعة أجبرت كثيرين مثلي على البحث عن وسائل أخرى أقل تكلفة، ومن خلال عملي في ورشة التصليح، كنت قد شاهدت مدفأة تعمل على الزيت المحروق، وبدأت بمساعدة الحداد بتفصيل واحدة منها، وبقيت 15 يوم أعدل عليها وأغير في مقاساتها حتى توصلت للنتيجة الحالية”.
وأضاف أن المدفأة عبارة عن صندوق مغلق بإحكام له، أشبه بصندوق الذخيرة، له فتحة علوية للتهوية، ووضع الزيت من خلالها، ويمكنها التحكم بقوة اشتعال المدفأة، كما يجب أن تكون أبعاد الصندوق بمقاييس معينة، أي العرض 20 سم، والطول 35 سم، والارتفاع 10 سم، حتى تعمل بالشكل المطلوب، وهذه القياسات توصل إليها بعد عدة تجارب، وهناك طرق أخرى حسب قوله.
بعد ذلك، يوضع على الصندوق “بوري قاظان” وهو أنبوب يكون داخل جهاز تسخين المياه، يثقب بشكل جيد من أجل دخول الهواء، وتوزيع الدفء داخل المنزل، ثم يكمل وصل “البواري” إلى المدخنة.
يقول “الشامي”: إنها تحتاج كل ساعتين لتراً واحداً من الزيت بسعر 7 ليرات تركية فقط، ويمكن خلط الزيت بكمية معينة من المازوت، وتحتاج باليوم بشكل وسطي إلى 5 لتر.
وبحسبة بسيطة أكد، أن برميلين من الزيت المستعمل، تكفي العائلة للتدفئة طيلة الشتاء، تكلفة البرميل 70_80 دولار، بينما تحتاج العائلة اثنين طن من الحطب أو قشر الفستق، سعر الطن الواحد تقريبا 250 _ 300 دولار، وهو مبلغ عجز عنه كثير من السوريين في الشمال، وبسبب الفقر والظروف المعيشية السيئة، حيث لجأ عدد منهم إلى وسائل تقليدية، رغم خطورتها، للحصول على الدفء.
وعرف هذا النوع من المدافئ في وقت سابق، فهي مخصصة لتدفئة المساحات الكبيرة كورش الصناعة والتصليح، والمغاسل، والمداجن، بنفس الوقت هي اقتصادية أيضاً. واشتهرت بها مناطق ريف حماة، وسهل الغاب وخان شيخون في السنوات الماضية.
رغم مخاطر هذه الوسائل البديلة، تجدها اليوم في عدد كبير من المنازل والمخيمات، فلا يمكن مواجهة الشتاء البارد بالنصائح والمواعظ، والتحذيرات من مخاطر تلك المواد، يقول الشامي، “دخان يعمي ولا برد يقتل” وهو ما لخص الحالة التي يعيشها الأهالي اليوم في إدلب.
كانت منصة SY24 قد تناولت مخاطر وسائل التدفئة الرديئة المازوت المكرر، والزيت “المحروق”، ومخلفات البلاستيك والنايلون، على صحة المواطنين، وحذر الطبيب “زهير فجر” أخصائي أمراض صدرية، من تأثير تلك المخلفات والغازات المنبعثة منها نتيجة الاحتراق بشكل مباشر على صحة الإنسان، و خصوصاً مرضى الربو والتحسس القصبي، إذ تزيد من الهجمات الربوية الحادة، والتهابات البلعوم والسعال التحسسي المتكرر، إضافة إلى أنها تسبب تسمم مباشر بالغازات الناتجة عنها قد تودي بحياة الإنسان.
وأشار في حديثه إلى أن “حالات مرضى الجهاز التنفسي والربو تزداد بشكل ملحوظ في الشتاء، رغم كل التحذيرات التي يوصي بها الأطباء بعدم اعتماد الأهالي على تلك المواد لخطرها الشديد على صحتهم، جراء استنشاق الغازات السامة والأبخرة المنبعثة خلال عملية الاحتراق، موضحاً أن معظم حالات المرضى هي بسبب استنشاق تلك الغازات”.
إلا أن واقع الحال، يؤكد أن جميع تلك الأمراض غير قادرة على إقناع الأهالي بضرورة التخلي عن تلك الوسائل ما لم يتم تأمين الوسائل والمواد الصحية المخصصة للتدفئة بأسعار تناسب مستوى دخل المواطنين، وليست خارج قدرتهم الشرائية ولاسيما أن معظم سكان الشمال السوري من المهجرين والنازحين.