ظهرت مشاريع التجمعات السكنية في شمال سوريا، كبديل عن المخيمات التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ويسكنها مئات آلاف السوريين النازحين والمُهجّرين من مختلف المحافظات السورية قبل عدة سنوات.
معضلة باتت مستحيلة الحل، في ظل تخلي جميع الأطراف عن معاناة السوريين في الداخل، لتنشأ فكرة توطينهم في مشاريع سكنية مجهولة المستقبل، يدعمها عدد من المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية، لتكون بديلة عن الخيام القماشية، التي أتلفتها العواصف والأمطار في الشتاء وحرارة الشمس في الصيف.
قدرت عدد المشاريع السكنية التي أقيمت في السنوات الماضية نحو 117 مجمع سكني في ريف إدلب وعفرين، وريف حلب الشمالي والشرقي، وذلك حسب دراسة أجرتها منظمة وحدة تنسيق الدعم ACU.
آخرها كان “مجمع كللي السكني” شمال إدلب من جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية” بدعم من (جمعية القلوب الرحيمة، وأهلنا في فلسطين 48) الذي افتتح يوم أمس ونقلت عليه مئات العائلات.
يقول “عبدالرحمن شردوب” نائب المدير العام لجمعية “عطاء” لمراسلتنا، إن “المجمع أقيم بهدف إنهاء معاناة أشد العوائل تضرراً ونقلهم لبيوت إسمنتية قبل قدوم فصل الشتاء، على أمل الاستمرار حتى نقل آخر عائلة من المخيمات إلى بيت يحفظ خصوصيتهم وينهي معاناتهم”.
وأضاف أن الورش الفنية والتقنية أنهت في الأيام السابقة، تنفيذ مشروع بناء وإكساء 342 وحدة سكنية بريف إدلب الشمالي، حيث تم تجهيز المجمع بكافة الخدمات الأساسية، من أبواب ونوافذ وتمديدات المياه والصرف الصحي، إضافة إلى البنية التحتية التي توفر الخدمات العامة للمستفيدين.
وأشار إلى أنه تم إنشاء أول تجمع سكني عام 2014 في منطقة أطمة شمال محافظة إدلب، ومازالت مستمرة لليوم في سعيها للتخفيف عن الأهالي في سوريا بكل السبل الممكنة.
معظم المشاريع السكنية تتشابه في هيكل البناء من ناحية التقسيم وعدد الغرف والمساحة، أغلبها يصل ما بين 40_60 متر مربع، ومنها ما هو أقل أو أكثر من ذلك، بعضها بنظام طابقي، وقسم منها طابق واحد فقط، تحوي شبكات للصرف الصحي، وتصريف المياه، وتمديد الإنارة، مع وجود مدرسة ومسجد في عدد منها.
إذ يتم تسليم الشقق للعائلات الأكثر ضرراً، وفق عقد منفعة غير رسمي، يوقع عليه المستفيد للالتزام بشروط محددة طيلة مدة انتفاعه من الوحدة السكنية، وتكون العقود بين المنظمة أو الفريق، والمستفيد فقط، وهي عقود غير موثقة عند أي طرف ثالث وهو ليس عقد تمليك.
منها ما أقيم على أرض مشاع تعود ملكيتها للدولة، ومنها ماتم شراؤه من أصحاب الأرض قبل المنظمة أو الفريق، وبكلا الحالتين يتساءل عدد من الأهالي التقيناهم عن مستقبل هذه المشاريع السكنية، هل وجدت كي تنسيهم حق العودة، أم هي فعلاً حلول مؤقتة.
هذا ما أكده الرجل الخمسيني “أبو إبراهيم” نازح من ريف إدلب الجنوبي، ويسكن في إحدى القرى السكنية بمنطقة “البردقلي” شمال إدلب، يقول في حديثه إلينا: إن “هذه الكتل الإسمنتية أشبه بعلب الكبريت، ولايمكن أن تكون عوضاً عن منازلنا الرحيبة التي نزحنا منها”.
في حين تجد السيدة “أم أحمد الشامي” مهجرة من ريف دمشق، في الشقة التي حصلت عليها منذ عام في منطقة “كفر لوسين” شمال إدلب، نعمة كبيرة، خلصتها من السكن في الخيمة، ومن معاناة الصيف والشتاء، وفقدان الخصوصية، والشعور بالأمان تحت سقف من الإسمنت، تقول :”لا يعرف هذا الشعور إلا من عاش في الخيام”.
في حديث خاص مع الصحفي السوري “محمود السويد” للحديث عن أبعاد الموضوع، قال: إن “مشاريع التجمعات السكنية في شمال سوريا، ظاهرياً هي خطوة إيجابية تجاه مئات آلاف النازحين والمهجرين، الذين تركوا منازلهم وأملاكهم في مناطق سيطرة النظام منذ سنوات، وسكنوا في مخيمات قماشية تفتقر لأدنى مقومات الحياة، في حين تحمّل قسم آخر منهم، تكاليف إيجار منازل سكنية في المدن والقرى والبلدات، بظل الغلاء والظروف المعيشية”.
يكمل، بأنه على الجانب الآخر لا تعدوا هذه التجمعات السكنية سوى مشاريع توطين للمهجرين وهو سلسلة من خطة وصفها بـ “الخبيثة” جرى تحضيرها من جميع الدول لإبقاء الوضع الراهن على ماهو عليه، وترسيخ مبدأ التجزئة والتغيير الديموغرافي، ونسف حق المهجرين والنازحين بالعودة إلى مناطقهم الأصلية.
وأضاف، أن هناك عشوائية في نظام بناء وتوزيع الشقق السكنية على العائلات حسب قوله، دون وجود لائحة منظمة لمعرفة الأشخاص الذين حصلوا على مسكن، ليزيد من احتمالية حصول نفس الشخص على عدة شقق في مناطق مختلفة، مقابل عدم حصول المستحق على شقة واحدة بسبب غياب التنظيم، وهذا ما لمسه بنسفه في بعض المشاريع.
وأشار في حديثه، إلى أن طريقة توزيع الشقق السكنية، لا تخلُ من المحسوبيات والواسطة، من قبل عدد من المسؤولين عنها، الذين يحرصون على توزيعها إلى أقاربهم ومعارفهم بغض النظر عن معايير الحاجة الفعلية.
واختتم حديثه معنا بأنها خدمة مؤقتة تحت عنوان عريض هو”التوطين” وفرصة لبعض المنظمات وسلطة الأمر الواقع بالتكسب على حساب معاناة الشعب.
يشار إلى أن مشاريع القرى السكنية لم يكن وليد هذه السنة فقد تم افتتاح أكثر من مجمع سكني في مناطق أطمة وجرابلس وأعزاز وسرمدا، وجاري العمل على إنشاء تجمعات جديدة في مناطق متفرقة، إلّا أن عدد النازحين يفوق ذلك بكثير، فمناطق شمال سوريا تضم نحو مليوني نازح، بينهم 630 ألف شخص يقيمون في المخيمات، حسب إحصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا”، ويبلغ عدد هذه المخيمات 1489 بينهم 452 مخيماً عشوائياً.