أصبح مشهد نبش القمامة والبحث عن أدوات الخردة، وما يمكن بيعه، في معظم شوارع المحافظات السورية أمراً مألوفاً في السنوات الأخيرة، ولم يعد وجود امرأة أو طفل أو حتى رجل مسن، يقف فوق أكوام النفايات، لجمع المواد البلاستيكية وقطع المعادن وعلب (الكولا) ، أمراً مستغرباً، بعد ما وصل الفقر مستويات غير مسبوقة في المجتمع السوري.
عدسة مراسلنا “أيهم البيوش” التقطت قبل أيام صورة لسيدة مهجرة، في عقدها الخامس من العمر، وهي تبحث عن لقمة عيشها وأجرة منزلها، بين قطع الحديد وأدوات الخردة، تجر كرسياً متحركاً، ملأته بما استطاعت جمعه بعد يوم عمل شاق في الطرقات، وبين أكوام القمامة والحاويات الكبيرة.
حيث أجبر الفقر والحاجة عدداً كبيراً من السوريين المقيمين في كافة المناطق، على العمل في مهن لم يعتادوا عليها، أو طلب المساعدة والتسول، بسبب ظروفهم المعيشية والاقتصادية المتردية، إذ تعد النساء اللواتي فقدن أزواجهن، أكثر المتضررين من الحرب التي يشنها النظام وحلفائه ضد الشعب السوري منذ 10 سنوات.
ومع سنوات الحرب، زادت ظاهرة النباشين وزاد عدد الأشخاص الذين يعملون في نبش القمامة وفرز المواد، وجمع أدوات الخردة، والقطع المستعملة والمرمية، منها ما هو مصنوع من المعادن كالحديد والألمنيوم ، والنحاس، قطع الغيار المتهالكة، أجهزة كهربائية مستعملة وتالفة، علب (التنك) للمشروبات الغازية، و العبوات البلاستيكية أيضاً، فكل تلك المواد تجمع بأكياس مخصصة، وتفرز كل حسب نوعه، بعد شرائه من قبل تجار مختصين بجمع الخردة، وهم يقومون ببيعها لمراكز الكبس ثم تذهب للتصدير.
العنصر الأهم بهذه العملية هم الأطفال، والأشخاص القائمين على جمع مواد الخردة، ويتقاضون مبالغ زهيدة لقاء ذلك، فيما ترتفع الأسعار بين التجار في جميع المراحل وصولاً إلى مرحلة التصدير، وتعد هذه التجارة مربحة بالنسبة لهم.
تعزو الناشطة الإنسانية “أحلام الرشيد” في حديث خاص مع SY24 أبرز أسباب انتشار هذه الظاهرة في مناطق الشمال السوري إلى للحرب والنزوح والفقر، وإغلاق عدد من المدارس، فضلاً عن هشاشة بنية التعليم بشكل عام، الذي أدت إلى زيادة ظاهرة التسرب المدرسي.
تشير “الرشيد” في حديثها، إلى الآثار السلبية لعمل الأطفال والنساء في مهنة جمع الخردة، على صحتهم، و تعرضهم لخطر عوامل الجو كالبرد أو الحر الشديد، وكذلك إلى مخاطر انفجار الأجسام الغريبة من مخلفات الحرب، أو خطر لسع الحشرات السامة التي تعد أماكن القمامة بيئة خصبة لها.
إذ يضطر معظم هؤلاء الأطفال للعمل في مهن صعبة وشاقة، لا تتناسب مع أعمارهم وأحجامهم الصغيرة، مقابل أجور مالية زهيدة نسبياً مقارنةً بطبيعة العمل والمخاطر المترتبة عليه، ما تسبب في إصابة بعضهم بجروح خطيرة، نتيجة هذه الأعمال الخطرة التي اضطروا للعمل بها في سن مبكرة.
وفي وقت سابق، رصدت عدسة مراسلنا “أيهم البيوش”، العديد من الصور المؤلمة التي يظهر فيها نساء وأطفال دفعهم الفقر إلى سؤال الناس والعمل في مكبات النفايات التي تشكل خطراً على حياتهم، وذكر مراسلنا حينها، أنه التقى بسيدة مسنة تطلب من الناس مساعدتها ببعض المال لتأمين ثمن الطعام لأطفالها الثلاثة، وذلك أثناء تجوله في مدينة إدلب.
وأشار إلى أن “السيدة توفي زوجها منذ سنوات، وترك لها ثلاثة أطفال، ليس لهم معيل سوى والدتهم”، مشيرا إلى أن “تلك الحالات موجودة في إدلب وبكثرة، وعدد كبير منهم لا يملك ثمن رغيف الخبز”.
يذكر أن الأمم المتحدة قدرت عدد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشارت إلى أن كثيراً منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.