تصدرت الأخبار التي تفيد بالضغوطات الإيرانية على النظام السوري من بوابة المحروقات، واجهة التطورات المتعلقة بملف الأزمات التي يواجهها النظام والأهالي في مناطقه.
ورأى محللون سياسيون مهتمون بالشأن الإيراني، أن هذه مؤشرات واضحة على مساعي طهران لإجبار النظام على إعادة الديون التي بذمته لقاء ما تكلفت به لمساندته في حربه على السوريين منذ نحو 12 عاماً، وإجباره على الرضوخ لشروطها التعجيزية.
وكان اللافت للانتباه، ما تحدثت به صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أمس الأحد، عن أن السلطات الإيرانية قيّدت إمدادات النفط الإيراني بالسعر المخفض لسوريا، وضاعفت أسعار النفط المصدر إلى النظام السوري بسبب مشاكله الاقتصادية.
وذكرت الصحيفة في تقرير لها أن السلطات الإيرانية قالت للنظام السوري “إن عليهم دفع مبالغ أكثر مقابل شحنات النفط”، مشيرة إلى أن إيران تعتزم مضاعفة سعر النفط ليصل إلى سعر السوق الذي يزيد على 70 دولاراً للبرميل.
وبيّنت الصحيفة أن طهران رفضت إرسال شحنات للنفط إلى النظام السوري بشكل عقود التسليم مؤجلة الدفع، وطالبته بدفع ثمن النفط مقدما.
ونقلت الصحيفة عن “حميد حسيني” المتحدث باسم اتحاد مصدري النفط والغاز والبتروكيماويات الإيراني قوله “نحن أنفسنا نتعرض لضغوط الآن. ليس هناك ما يدعو للبيع إلى سوريا بأسعار مخفضة”.
وأكدت الصحيفة الأميركية أن النظام الإيراني استخدم حتى الآن الأموال والنفط المخفض لتوسيع نفوذه في سوريا وتحدي السعودية وإسرائيل في المنطقة، لكن في الوقت الحالي، مثلت المشاكل الاقتصادية ضربة جديدة لطموحات إيران، حسب التقرير.
وحول ذلك قال المحلل السياسي “أحمد حسان” لمنصة SY24، إنه “منذ وصول نواب التيار المحافظ الإيراني إلى البرلمان يضغط نواب هذا التيار بخصوص ضرورة استرداد ديون إيران التي بلغت حوالي 30 مليار حسب وجهة نظر النواب، الذين يعتبرون أن روسيا حصلت على المشاريع الاستراتيجية بينما تم إهمال إيران”.
وتابع “ولهذا يتم مطالبة النظام في كل اجتماع بالدفع المسبق في المشاريع الجديدة، بما فيها بعض صفقات تحديث الدفاع الجوي والنفط أو مناقشة أدوات دفع من المشاريع التي يمكن للنظام إعطاؤها لإيران، ولا سيما أن المظاهرات التي حصلت في إيران ركزت على إهدار الأموال في سوريا وهذا شكل عامل ضغط على نواب التيار المحافظ”.
وتزامن التقرير الأمريكي حول الضغط الإيراني على النظام بورقة أزمة المحروقات، مع زيارة يجريها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق، حيث وعد اللهيان رأس النظام بشار الأسد بالحفاظ على العلاقات القوية بينه وبين طهران، وتم مناقشة مشروع لتوليد الكهرباء، ولكنهما لم يتحدثا عن إمدادات النفط وأزمة المحروقات التي يعانيها النظام.
وسارعت ماكينات النظام الإعلامية ومنها صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، إلى نفي ما جاء في تقرير الصحيفة الأمريكية، زاعمة أن “إيران لا تطالب بأي ثمن، لأن ما يجمع بين البلدين علاقات استراتيجية عميقة، والمباحثات تناولت كل أوجه التعاون السياسي والاقتصادي، وكيفية إزالة العقبات التي تعترض تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين”.
وادّعت أن “هناك نيّة جادة لتوقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي طويلة الأمد مع سوريا مماثلة للاتفاقية التي وقّعتها إيران مع بعض القوى العالمية، وهذا يعني أن لسوريا دوراً مركزياً في مستقبل المنطقة والعالم، وإيران تدعم هذا الدور”.
وفي هذا الجانب، اعتبر المحلل السياسي حسان موضحاً، أن “البرلمان الإيراني في أغلبيته متجه حالياً نحو خيار استرداد الأموال الإيرانية في سوريا، وضرورة أن تكون على شكل مشاريع فيها دورة اقتصادية قصيرة أو قيام النظام بالموافقة على أن تقدم إيران تمويلات مقابل الرهن المباشر من البنوك الإيرانية بدون دور حكومي سوري، وهذا هو أخطر ما في هذا المشروع الذي يتيح للبنوك الإيرانية تمويل مشاريع سوريّة مع الضمانات المباشرة وآلية استردادها”.
وتشهد مناطق سيطرة النظام السوري منذ مدة، أزمة حادة في الوقود أسفرت عن شلل كبير في المواصلات وتوقف الكثير من الفعاليات والصناعات والأعمال.
وتأتي الأزمة تزامنا مع الشتاء، وازدياد الطلب على مادة المازوت للتدفئة، حيث يمر هذا الفصل باردا على السكان الذين يعانون للحصول على التدفئة.
من جانبه، الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، قال لمنصة SY24: “لا أعتقد أن إيران يمكنها التخلي عن النظام السوري حيث تجد فيه تحقيقا لمشروعها الطائفي الفارسي الذي طالما حلمت بتحقيقه، وهو اليوم يكاد يتحقق من طهران إلى بغداد إلى دمشق وبيروت”.
وزاد بالقول: “لكن دولة الملالي في طهران ونتيجة الضغوط الاقتصادية والمعيشية الكبرى في الداخل، وبعد المظاهرات التي زلزلت أركان النظام الإيراني، وبعد موجة الانتقادات التي قامت بها شخصيات برلمانية إيرانية وسواها من أركان النظام، كذلك بعد التحرك التطبيعي والتصالحي بين تركيا والنظام السوري برعاية روسية والذي جاء بعيدا عن التنسيق والمشورة مع الحكومة الإيرانية، وهو ما أبداه نعيم قاسم برسالته التي نقلها إلى النظام السوري حيث قال: إن الإيرانيين عاتبين عتبا شديدا على النظام السوري نتيجة التحركات بين دمشق وأنقرة، وكذلك الدور الإماراتي كوسيط من أجل تطبيع علاقة أخرى بين دمشق والرياض، وكل ذلك دون موافقة ومشورة الإيرانيين”.
ومضى بالقول: “ما دعا الإيرانيين للانزعاج ومن ثم ممارسة بعض الضغوط الاقتصادية والسياسية على النظام السوري، حيث وصلت الرسائل وأدت إلى تعثر الحراك التطبيعي بين دمشق وأنقرة، وهو اليوم يأخذ بعدا آخر حيث يمارس ضغطا ماليا ونفطيا لما لحاجة النظام السوري للنفط الإيراني الوحيد الذي يصل إلى سورية”.
وختم قائلاً: إن “التعطيل المالي ورفع السعر هو مصالح إيرانية ضاغطة وهي بالأساس كانت قد أوقفت الخط الائتماني الواصل إلى دمشق منذ فترة طويلة، بينما يتم تسطير الديون على النظام السوري المنهار اقتصاديا، كي يستمر القرار السيادي السوري مرتهنا للإيرانيين تارة وللروس تارة أخرى”.
ومطلع العام 2021، هاجم عضو برلمان النظام السوري السابق المدعو “فارس الشهابي”، روسيا وإيران والصين، متهما إياهم بالتسبب بفقر وتعاسة السوريين في مناطق سيطرة النظام.
وقال “الشهابي” حينها: “الحليف الروسي أكبر منتج للقمح في العالم، والحليف الإيراني من أكبر منتجي النفط في العالم، والحليف الصيني أكبر اقتصاد في العالم! و المواطن السوري (الصامد) على خط المواجهة الأول في معركة تغير وجه الكرة الأرضية و الدفاع عن الحضارة البشرية يزداد فقراً و تعاسةً”.
وتتصدر الأزمات الاقتصادية والمعيشية والأمنية واجهة الأحداث الحياتية في مناطق النظام السوري، إضافة إلى الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية التي دفعت بالقاطنين في تلك المناطق إلى التفكير بمسألة “الهجرة”.