“شعرت أن المنزل يتحرك بقوة وبدأت الأتربة تخرج من جدرانه بالرغم من أن الهزة التي ضربت المنطقة كانت خفيفة جداً، ولهذا خرجت مع عائلتي مسرعين إلى الشارع خوفاً من هبوط السقف على رؤسنا”.
بهذه الكلمات وصف “أبو عبدالله”، اللحظات الأولى للهزات الأرضية الارتدادية التي ضربت مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” شمال شرق سوريا، والتي دفعت عشرات العائلات للهرب من منازلها والاتجاه نحو الحدائق والساحات العامة والمدارس والبقاء هناك لساعات طويلة، في ظل الأحوال الجوية السيئة والانخفاض الكبير في درجات الحرارة.
وأشار “أبو عبدالله”، وهو من سكان شارع تل أبيض وسط مدينة الرقة، أشار إلى أن البناء الذي يعيش فيه مع عائلته عمره أكثر من 15 سنة وتعرض للقصف في أكثر من مناسبة خلال المعارك التي شهدتها المدينة قبل عدة سنوات، “ما تسبب بتشققات كبيرة في أساساته وجدرانه حولته إلى خطر كبير يحدق بالعائلات التي تعيش فيه”، على حد وصفه.
ويوجد في مدينة الرقة المئات من المنازل والأبنية السكنية المتصدعة والمتشققة بفعل العمليات العسكرية التي شهدتها المدينة منذ عام 2013 ولغاية عام 2019، مع رفض العديد من أصحابها هدمها بالكامل وقيامهم بإعادة تأهيلها على عجل والسكن فيها، بسبب أوضاعهم الاقتصادية السيئة وعدم توافر منازل قابلة للسكن في المدينة وزيادة عدد سكانها بعد عودة آلاف إليها عقب القضاء على تنظيم داعش.
غير أن هذه المنازل باتت تشكل خطراً كبيراً على قاطنيها خاصةً بعد تعرض المنطقة لزلزال عنيف تسبب حتى الآن بمقتل قرابة 12 ألف شخص في تركيا وأكثر من 3000 شخص في الشمال السوري المحرر، ما دفع قاطنيها للطلب من “الإدارة الذاتية” إرسال لجنة متخصصة لفحص هذه المباني وتحديد أيها قابلة للسكن وهدم المعرضة للانهيار بسرعة وتعويض أصحابها، مع تامين مكان مؤقت للسكن لهذه العوائل.
وقال أبو عبدالله في حديثه لمراسل منصة SY24 في الرقة: إن “شارع تل أبيض والأحياء المحيطة به وسط المدينة تحوي المئات من المباني المتصدعة والآيلة للسقوط ولم يقم أحد إلى الآن بفحصها أو تحذير سكانها، الذين آثروا البقاء فيها وانتظار مصيرهم على الخروج منها للمجهول وخاصةً في ظل حالة الطقس السيئة التي تشهدها المنطقة”.
وتابع: “خرجنا من البناء الذي عشنا فيه طوال السنوات الأربع الماضية واتجهنا للشارع ولكن في النهاية اضطررنا مع غيرنا للعودة إلى منازلنا لعدم وجود أي مكان آخر نسكن فيه، وامتناع مجلس مدينة الرقة عن تأمين أماكن مؤقتة للسكن بحجة عدم قدرتها على ذلك بسبب نقص التمويل الدولي، وطلبت منا الذهاب إلى المخيمات العشوائية أو نصب خيام مؤقتة في محيط المدينة، وهو ما رفضناه جملةً وتفصيلاً وفضلنا العودة إلى منازلنا على المبيت في العراء”.
من جانبها، أعلنت “الإدارة الذاتية” عن تعطيل كافة المدارس والمؤسسات الرسمية التابعة لها في عموم مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا وطلبت من المواطنين اتخاذ “أقصى درجات الحيطة والحذر”، والتوجه إلى الساحات العامة حال شعورهم بأي هزات ارضية، مؤكدةً أن عدد الضحايا في مناطق سيطرتها وصل لقرابة 100 شخص غالبيتهم في حيي الشيخ مقصود والأشرفية شرقي مدينة حلب.
والجدير بالذكر أن البنية التحتية لمدينة الرقة تعاني من ضرر كبير نتيجة العلميات العسكرية التي شهدتها خلال السنوات الماضية، والتي تسببت بدمار أكثر من 90% من المدينة وتشريد آلاف السكان عنها، مع عدم قيام المنظمات الدولية والمؤسسات التابعة لـ “الإدارة الذاتية” بإعادة إعمار الأبنية الآيلة للسقوط او تعويض أصحابها، على الرغم من التحذيرات المستمرة التي يطلقها الأهالي بضرورة إزالة هذه الأبنية بالسرعة القصوى، بسبب الخطر الكبير الذي قد تسببه على قاطنيها وعلى سكان الأبنية المجاورة لها في ظل استمرار الهزات الأرضية الارتدادية في المنطقة.