أصدر مجلس بلدية مدينة ديرالزور قراراً يقضي بنقل جثامين الموتى من حدائق حيي الحميدية والعمال باتجاه مقابر المدينة في منطقة الجبل خلال مدة لا تتجاوز الأسبوع الواحد، وذلك بغرض إعادة تأهيل هذه الحدائق وإفراغ الأحياء السكنية من المقابر العشوائية المنتشرة فيها وخاصةً تلك المكتظة بالسكان.
قرار نقل الجثامين شمل المقابر الموجودة في حديقتي سدرة المنتهى والروضة في حي العمال الذي كان يقع تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية ومن بعدها تنظيم داعش، والمليئة بجثث المدنيين الذي قضوا بفعل القصف والغارات الجوية التي شنتها قوات النظام والطائرات الحربية الروسية على المدينة بين عامي 2012 و 2017، وقيام النظام بقصف هذه المقابر في أكثر من مناسبة، ما تسبب بدمار كبير لعدد كبير من القبور.
مراسل منصة SY24 في مدينة ديرالزور نقل عن مصدر خاص داخل مجلس البلدية، قوله إن “قرار نقل المقابر من حديقتي سدرة المنتهى والروضة جاء بطلب من رئيس المركز الثقافي الإيراني في المدينة، بعد أن عرض تمويل عملية إعادة تأهيل هاتين الحديقتين بالكامل شريطة أن تكون تحت تصرف المركز في أي وقت كان”.
وأشار المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن مدير المركز الثقافي الإيراني اجتمع مع رئيس مجلس البلدية بحضور رئيس اللجنة الأمنية في المدينة وضباط من فرع الأمن العسكري وميليشيا الفرقة الرابعة لمناقشة قضية إفراغ المقابر الجماعية الموجودة في الأحياء الشرقية للمدينة، ونقلها إلى منطقة القبور تمهيداً لإعادة تأهيل بعض المباني في المنطقة بغرض توطين عائلات مقاتلي الميلشيات الإيرانية الأجانب فيها.
فيما أوضح المصدر أن مدير المركز الثقافي الإيراني أعلن تبرعه بكميات من المحروقات لتشغيل المعدات اللازمة لإزالة المقابر ونقل جثامين الموتى إلى منطقة الجبل لدفنها هناك في مقابر جماعية، وذلك بعد فراغ الأهالي من نقل أقربائهم المدفونين فيها خلال المدة التي حددتها البلدية، مع تأكيد الأخيرة على أن عملية النقل ستكون على تكلفة الأهالي بالكامل من استخراج الجثامين ونقلها وإعادة دفنها، شريطة حضور ممثلين من فرع الأمن العسكري وأمن الدولة ومنظمة الهلال الأحمر.
أهالي المدينة اعتبروا أن عملية نقل جثامين الموتى إلى المقابر بهذه الطريقة تخالف عادات وتقاليد المنطقة، خاصةً أن معظم ذوي القتلى موجودين خارج المدينة وغير قادرين على نقل جثث أبنائهم إلى منطقة المقابر بالسرعة المطلوبة، بالإضافة إلى خطورة المنطقة لإمكانية تواجد مخلفات الحرب التي لم تنفجر أو ألغام وعبوات ناسفة تم زراعتها في وقت سابق من قبل تنظيم داعش، وغيرها من الأسباب التي قد تشكل خطراً على حياة المدنيين.
“أبو محمد”، من أبناء مدينة ديرالزور المقيمين في الخارج ووالد أحد الشهداء الموجودين في حديقة الروضة، ذكر أن “معظم عائلته قد غادرت المدينة بعد دخول النظام والميليشيات الإيرانية إليها، لذلك لا يوجد أي شخص سيقوم بنقل جثمان ابني من حديقة الروضة باتجاه المقبرة المخصصة للعائلة، وعلى هذا الحال فإن النظام سيجرف جثمانه وبقية جثامين الشهداء ويدفنها في مقبرة جماعية دون الأخذ بالاعتبار لحرمة الموتى”، على حد تعبيره.
وفي حديثه لمنصة SY24 قال: إن “هناك أكثر من 500 شخص مدفون في حديقتي سدرة المنتهى والروضة معظمهم مدنيين من نساء وأطفال الذين قتلوا بفعل القصف الذي تعرضت له المدينة سابقاً، ولذلك فإن جثثهم قد تفتت وعظامهم تكسرت ولايوجد طريقة لنقلهم سوى تحت إشراف فرق متخصصة وليس حفاري القبور الذين لا يهمهم سوى الحصول على الأموال مقابل عملهم”.
وأضاف أن “حالتي تشبه حالة المئات من ذوي الشهداء المدفونين في حدائق مدينة ديرالزور والذين لا يستطيعون نقل أبنائهم إلى المقابر لأنهم مطلوبين للنظام ولا يستطيعون العودة إلى المدينة، بالإضافة إلى قيام الأفرع الأمنية بالتحقيق مع من ينقل جثث المقاتلين المعارضين للنظام المدفونين في الحدائق ما قد يعرض من ينقلهم لخطر الاعتقال أو التصفية الجسدية”.
والجدير بالذكر أن أهالي الأحياء السكنية التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية ومن بعدها تنظيم داعش بمدينة ديرالزور، اضطروا خلال الفترة بين عامي 2012 و 2017 إلى دفن جثث قتلاهم في الحدائق والساحات العامة وداخل المساجد لعدم قدرتهم على دفنها في المقابر المخصصة لها بسبب حصار المدينة، الأمر الذي تسبب باكتظاظ تلك الحدائق بآلاف الجثث والقبور التي تعرضت للقصف في أكثر من مناسبة، ما أدى إلى تشويه معالمها بالكامل وعدم معرفة ذوي القتلى أي دفن أبنائهم، ما خلق معضلة كبيرة ما زالت آثارها موجودة إلى الآن.