تعيش الطفلة “جنى الحمزة” 5 سنوات، حالة نفسية متأزمة تمثلت في رجفة أطرافها، وخوفها من الأصوات العالية، فضلاً عن تبولها اللاإرادي منذ يوم السادس من شباط بعد تعرضها لصدمة نفسية كبيرة إثر الزلزال.
تقول والدة “جنى”: إن “طفلتها إلى حد اليوم تدخل في نوبات بكاء مستمرة، كلما شعرت في حركة غير طبيعية، أو صرخ أحد أفراد الأسرة أن هناك هزة، ما يجعلها تصرخ بشكل هستيري، وتتشبث بها، ما جعلها تترك مكان سكنها وتلجأ إلى مراكز الإيواء، لتجاوز الفترة الحالية”.
ليست “جنى” الوحيدة التي تعاني من رهاب الزلزال، بل آلاف الأطفال الناجين يعيشون أوضاعاً مشابهة، إذ ترك الزلزال أثراً نفسياً عميقاً عليهم، تمثل في القلق والخوف والرهاب من الحركات الفجائية، والهزات الارتدادية التي تلت الزلزال العنيف، فكثير من الأشخاص الناجين وحتى المصابين، يعانون في المرحلة الأولى من صدمة وحالة خوف وهلع وقلة النوم وغيرها من الأعراض النفسية المرافقة للصدمات، حسب “غيثاء الإبراهيم” قائد فريق دعم النفسي بمنظمة سامز الطبية في مشفى المحافظة بمدينة إدلب.
وقالت في حديث خاص لمراسلتنا: إن “الأعداد التي استقبلتها المشفى إثر الزلزال كانت هائلة، من بينهم أطفال، تعرضوا لإصابات جسدية صدمات نفسية، تركت أثراً واضحاً تجلى في الخوف الزائد من البكاء والقلق، والتبول اللاإرادي”.
وأضافت أن الفرق النفسية قدمت الإسعاف النفسي الأولي للمصابين والمرافقين أيضاً، وفي الأيام الأولى للكارثة تم وصول حالات فردية، تم وصلهم مع عائلاتهم، وتقديم المعلومات اللازمة لهم، وجلسات إسعاف ثانوي.
وذكرت أن أكثر الحالات التي لاحظتها الفرق الطبية متلازمة “الهرس” والتي تستغرق وقتاً للعلاج و تحتاج لصبر وتحمل، إلى حين تجاوز الفترة الصعبة، مشيرة إلى أن الأيام الأولى للزلازل معظم الإصابات كانت لمرضى عالقين تحت الأنقاض، كسور، حالات هرس، كسور في العمود الفقري، و أذيات بالجمجمة.
وفي سياق متصل تباشر الفرق النفسية التابعة المنظمات الطبية الإنسانية العاملة في الشمال السوري، جولاتها الميدانية على مراكز الإيواء، في جميع المناطق المنكوبة، لتقديم الإسعاف النفسي الأولي للأهالي الناجين من الزلزال ولاسيما الأطفال، إذ يتوجب على الأهالي امتصاص صدمة الطفل من الحدث الذي عاشه وعاينه بنفسه، مثل الإجابة على تساؤلاته بطريقة مبسطة، تبعد عنه الخوف والقلق وتعيد إليه الأمان، مع ضرورة عدم متابعة الأخبار ومقاطع الفيديو التي تحوي مشاهد الزلزال أمامه،إضافة إلى إشغاله بأنشطة حركية وذهنية، كالرسم والألوان، واللعب، والذهاب معه إن أمكن إلى مكان فسيح يستطيع اللعب فيه لتفريغ مشاعره من الخوف والقلق.
وفي حديث سابق مع ” نجاح بالوش” قائد فريق الصحة النفسية في أحد المنظمات الطبية العاملة شمال سوريا لمنصة SY24 قالت :إن “فرق الصحة النفسية، منذ الأيام الأولى للزلزال قامت باستجابة طارئة للناجين وذوي المفقودين الذين يعانون من حالة نفسية صعبة، وقدمت جلسات الدعم النفسي، وإحالة الحالات الحرجة إلى مراكز متخصصة لتقديم العلاج المناسب، فضلاً عن تقديم أنشطة للأطفال وجلسات خاصة بهم للتخفيف من التوتر والقلق “.
وأوضحت من خلال معاينتهم الواقع، وجود حالات تبول لا إرادي للأطفال للصغار لم تكن موجودة من قبل، وخوف من النوم والوحدة، وإنكار الواقع والهروب من تقبل الحدث وهذا كله من أعراض الصدمة النفسية التي تعرضوا لها.
وتعد خسارة العائلة والأطفال والمأوى والأمان والأصدقاء، تعد إحدى النتائج التي يعيشها آلاف السوريين اليوم في شمال غربي سوريا أو في تركيا، بعد أن حصد منهم الزلزال أغلى ما يملكون، وترك الناجين منهم يواجهون صدمات نفسية ومخاوف عدة مما حدث، ولسان حالهم يقول “ليتنا متنا معهم، ولم نبقى لوحدنا”.
إن أهمية تقديم الدعم النفسي اليوم توازي تقديم المساعدات الإنسانية الأخرى للناجين من الكارثة، بل ربما تكون أحوج إلى العلاج من الطعام أو الحاجات الأخرى، وذلك للتخفيف من المعاناة والمشاكل النفسية التي ترافقهم بعد الصدمة والتي قد يمتد أثرها لسنوات طويلة.
حيث نجا آلاف الأشخاص والأطفال من الكارثة ولكنهم بقيوا سجناء لحظة وقوعها، وحملت ذاكرتهم مشاهد للموت يصعب نسيانها، تأجج مشاعر الخوف والذعر كلما تذكروها أوتحدثوا عنها.
وفي ذات السياق ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن ملايين الأطفال في سوريا وتركيا بحاجة ماسة إلى الدعم الإنساني عقب تعرضهم لصدمات نفسية بعد زلزال السادس من شباط.